هل ذهبت عنا ياعبدالله هل تركتنا لليتم يا( بابا)

حبيب الله أحمد

ما اصعب أن يسقط الغصن الاخير الناضر الخضل من شجرة طالما تفيانا ظلالها 
وهززنا جذعها لتساقط علينا رطبا جنيا من الحب والود والالفة والحنان 
فمن اين لنا بعدك بمجن نتقى به  صروف الدهر وظل ناوى اليه هربا من شمس الحياة  الحارقة 
نعم كنت آخر عنقود من آبائنا الطيبين وكنت نعم التذكار والنموذج والعبق 
ما اصعب تصديق أن دموع الصغار لم تستوقفك وقدغسلت الدار لحظة رحيلك 
وإذاكان الصغار ذاقوا وهم يودعونك طعم الفجيعة ومنهم من لم يصاحبك إلا لأقل من عشر سنوات   فماذا سيكون لون دموعنا نحن الذين تربينا فى حضنك وياي أعيين سنبكيك وقد اظلمت الدنيا أمامنا وانت ترحل بوقار الصالحين لتنام فى ( لمغاس ) بين الإخوة والاهل والاحبة 
نعرف يا عبدالله انك حزمت حقيبة هذه الرحلة الاخيرة منذ سنوات عمرك الأولى فجهزتها وحضرتها خصال خير وكفاحا صادقا وحبا للناس وزهدا فى الدنيا وبرا بالوالد والولد
وضعت نصب عينيك وانت تقبل على الحياة هدفين نبيلين 
تحصيل العلم وحج بيت الله الحرام
فتغربت وكافحت وتعبت وتحملت فكان أن حملت فى صدرك علما نافعا به من القرءان نور ومن السنة سنى ومن اللغة العربية وآدابها سمت ووقار 
كانت الظروف كلها صعبة ولكن مع طينة امثالك من المكافحين كان على تلك الظروف أن تستسلم وصعابها أن تذلل 
رغم البؤس المادي وبعد الشقة وطول الدروب ووحشتها زرعت نفسك نخلة لاتهزها الريح ولاتنال منها قوارع الزمن فاديت مناسك الحج وبسلامك على الحبيب الشفيع محمد صلى الله عليه وسلم نسيت وعثاء السفر وصعوبة الدروب والبعد عن الأهل وملاعب الصبا 
بعدها بدات رحلتك تطوف العالم متنقلا بين دول إفريقية عديدة تضرب فى الأرض مجاهدا بحثا عن حياة كريمة تليق برجل صادق مع الله والنفس والضمير 
لم تتوقف طيلة سنوات الغربة عن التعلم فاتقنت الكثير من لغات العالم ولهجات الشعوب 
وكنت للناس معلما مربيا وموجها تنشر قيم الإسلام ورسالة المحظرة 
 فانتشلت اقواما  من الجهل والضياع إلى ضفاف العلم والإيمان الصقيل
كل الذين عرفوك عرفوا فيك الصدق والمروءة والترفع عن النقائص والزهد والورع والاستقامة 
عرفناك مواظبا على صلاة الجماعة حتى عندما ضعفت كنت تذهب إلى المسجد تهادى بين رجلين 
اما التواضع وحسن الأخلاق فلنحدث ولاحرج 
عرفوا فيك شيخا عالما عابدا مكافحا صبورا وشاعرا مجيدا مقلا لا يحب أن يقال عنه إنه شاعر حتى والناس تسطو على شعره وتضيفه لغيره لم يكن يعلق على ذلك أو يناقشه 
انت ياعبدالله كنت لنا وللجميع أكثر من اب اوعم اوجد 
كنت لنا كهف حنان وحضن دفئ ومودة وحب 
رحلت لتبقى بيننا تاريخا مهيبا عصيا على النسيان
نودعك اليوم لنودع فيك تاريخا جميلا وزمنا رغدا بالكفاح والصبر وقوة الشكيمة 
نودعك واثقين أنك ذاهب إلى كنف السكينة والرحمة إلى الله الذى كنت مستعدا للقائه دائما 
نعم تجزع القلوب وتدمع العيون وتشحب الملامح بفعل صدمة رحيلك لكن لانفول إلا خيرا 
صدمة كبرى أن نوارى نخلة الثرى أن نهيل التراب على جبل أن ناخذ قطعة من القلب والكبد ونسلمها للقبر ان نرى( بابا) مسجى امامنا بلا حراك دون أن يحتضننا ويعانقنا ويمازحنا 
دون أن يفتح مصحفه وكتبه دون أن يبسط سجادته دون ان يداعب سبحته دون ان  يصول ويجول فى علوم القرءان والفقه والسيرة واشعار وايام وانساب العرب 
لحظة صعبة حقا ولكن رضينا بقضاء الله الأرحم به منا ومافعل الجليل فهو الجميل 
نعزى انفسنا وإخوتنا ابناءه وبناته واهلنا فى ( اندومرى) وكل الذين عرفوا( بلاه)فى كل مكان
وتعزية خاصة لحبيب الله الابن البار الذى ابعدته ظروف ظالمة ومنعته من ممارضة والده  وحضور الصلاة عليه وكأن لسان حاله يقول /
" ياليتنى فيها جذع"
اللهم اغفر لعبدالله ولد حبيب الله ( بلاه) وارحمه وتجاوزعنه 
إنا لله وإنا إليه راجعون

جمعة, 01/07/2022 - 12:51