تونس: دستور قيس سعيد.. ما له وما عليه

اسيا العتروس

هل كان بالامكان افضل مما كان ؟..
حصل ما لم يكن منتظرا وكشف رئيس الهيئة الاستشارية لدستور الجمهورية الجديدة العميد الصادق بلعيد أمس حصريا للصباح في وثيقة له أن ما نشر في الرائد الرسمي غير ما اعدته اللجنة المعنية و ان الهية براء من هذا المشروع المعروض للتصويت يوم 25 جويلية في الذكرى الاولى لحل البرلمان ..
 لقد استطاع الرئيس قيس سعيد أن يصرف الانظار عن كل الازمات الحياتية اليومية و يدفع بشريحة  واسعة من التونسيين للغرق في بحر مشروع الدستورالذي تحول الى جدل مفتوح   ..
لا نعرف ان كان سعيد و منذ البداية يخطط لترك مخرجات الحوار الوطني لفريق الصادق بلعيد على الرف و تعمد استغباء  الجميع و انتظار اللحظة السانحة لاخراج مشروعه  للعلن ,و لكن ما نعرف أنه سيتعين على من تحملوا امانة ادارة هذا الحوار واعلنوا انه سيتم بمن حضر ان يحترموا الراي العام و ان يكشفوا للتونسيين عن المشروع الاصلي الذي تقدموا به لرئيس الجمهورية للمقارنة بين ما كان وما اصبح عليه ..
حتى الان يحسب للعميد بودربالة انه كان صريحا و جرئيا و اعتبر ان النص مختلف حتى و ان كان هناك تقاطعات ..اما الاستاذ امين محفوظ فان تغريدته غير الصريحة بان الطفل ليس من صلبه لا تعني شيئا طالما اثر الصمت و خالف وعده ولم يكن في مستوى ما كان التزم به بان يكون في حجم المسؤولية و يكشف ما حدث من تغييرات او تعديلات قد تطرأ على نص المشروع  اما بالنسبة للعميد الصادق بلعيد فقد رجحنا ان يخرج عن صمته بعد ان يتعافى و لكن استبق الاحداث و قدم موقفه متحملا مسؤوليته امام التونسيين و امام التاريخ ..
طبعا تبقى الهيئة استشارية و يبقى من حق الرئيس ادراج ما يراه من تعديلات و لكن يبدو ان التعديلات ناقضت في بعض الاحيان تصريحات الاطراف المعنية بالحوار لا سيما في علاقة بالدولة المدنية و الاقتصاد وطبيعة  السلطة ..
يصح القول ان  ما تضمنه مشروع الدستور الجديد يؤكد وفاء قيس سعيد لافكاره و توجهاته منذ 2012 كما ان التوطئة تكاد تكون استنساخا مختزلا لمختلف خطاباته الحماسية ولاحلام  “الصعود الشاهق و غير المسبوق في التاريخ الذي انطلق في 17 ديسمبر”  ونسف معه ما سبق ..
دستور سعيد له ما له في تاكيده على الحريات و تعزيزها لكن عليه  ما عليه ايضا من مؤاخذات كان يفترض تجنبها والاكيد الان و في ظل الانقسام و الغموض الحاصل في المشهد التونسي أنه كان بالامكان افضل مما كان لو ان الرئيس قيس سعيد اختار منذ البداية طريقا مختلفا لاصلاح ما يستوجب الاصلاح بدل اعتماد طريقة الصفحة البيضاء على أساس اجتثاث كل ما سبق ..
منذ نشر وثيقة مشروع الدستور باتت حياتنا …فلا حديث بين العامة والخاصة هذه الايام  سوى عن مشروع  دستور الجمهورية  حتى كدنا  نتنفس بنودا و فصول الدستور و بتنا نخال  ان نفتح الحنفية فلا نحصل على الماء بل نحصل على بند من بنود الدستور يذكرنا بالحق في الماء مع تكرر انقطاع الماء في موسم القيظ الذي لا يزال في بداياته ..
حياتنا دستور , و كأن مجرد نشر المشروع الجديد للدستور سيجعل السماء تمطر علينا ذهبا و تجود علينا بالحلول التي نطوي معها صفحات الازمات الكثيرة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية والعلمية و الثقافية و الاخلاقية و يحمل معه العصا السحرية التي تجعلنا نعبر الى عالم المدينة الفاضلة و نودع معه عالم البؤس والانحطاط و الترذيل في كل مظاهره …
ندرك جيدا اهمية الدساتير في  تيسير وتنظيم حياة الامم و الشعوب و تطوير المجتمعات و لكن ندرك ايضا أن الهوس بالدساتير مسألة قد تتحول الى استنزاف للجهود و الفرص و الوقت ..
لا نعتقد ان الراي العام في حاجة لمزيد القراءات و التاويلات لما تضمنه مشروع الدستورالجديد من احكام في مختلف فصوله  ال142 فقد تجند للعملية  غير اهل الاختصاص واهل الاختصاص من رجال القانون و خبراء القانون الدستوري و من الجامعيين زملاء الرئيس قيس سعيد و غيرهم و ادلى كل بدلوه بين مؤيد و معارض و قدم كل مبرراته و دوافعه في الدفاع عن هذا المشروع و اعتباره منقذا للبلاد و العباد من مخلفات ما سبق وبين من تولى تفكيك ما تضمنه هذا المشروع من الغام معلنة اوخفية في اسقاط  خيار الدولة المدنية والتخلي عن الفصل الاول من دستور1959 و2014 و الذي جنب بمقتضاه التونسيين متاهات الصراعات غير المحسوبة , واعتماد بدلا من ذلك توجها نحو العودة الى المربع الاول و السقوط في متاهات البحث عن جنس الملائكة و الهوية و الانتماء وتحقيق مقاصد الاسلام الحنيف والحفاظ على النفس و العرض و المال والدين و الحرية ..
-حياتنا دستورما نعيش على وقعه يؤكد لنا مجددا أننا أمة مهوسة بالكلام و الكلام على الكلام وباضاعة الوقت و اهدار الفرص و استباحة العقول فيما ينفع و لا ينفع …
جعلت الدساتيرالتي غالبا ما تقارن بتاج العروس لتنظيم الحياة  وتيسيير شؤون الامم و الشعوب في كنف العدالة والمساواة و تكريس الاستقرار ولم تجعل لتعقيد الحياة..
 في غمرة الانشغال بمشروع الدستورالذي تحول الى موضوع الساعة واصبح عنوان الندوات و اللقاء والحوارات و النقاشات  التي نتوقع ان تستمر طوال الاسابيع الثلاث القادمة حتى موعد الاستفتاء للبحث عن جنس هذا المولود وهويته وما يمكن ان يحتمله كل حرف فيه من دلالات و احكام قابلة لكل القراءات والتاويلات و الافتراضات  كل حسب موقعه و قناعاته بشأن قابليته للحياة والاستمرارو الصمود أوما اذا سيختفي بانتهاء مهمته ويزول بنهاية ولاية صاحبه او ما اذا سيكون العجلة التي ستقود التونسيين الى برالامان ..
اخر الكلام لفظ دستور معرب من الفارسية وهو لفظ مركب من شقين “دست” بمعنى قاعدة و”ور” بمعنى صاحب، فيكون المعنى الكامل للمفهوم هو صاحب القاعدةو لا نعرف ما سيكون عليه رأي صاحب القاعدة بتاريخ موعد الاستفتاء ..

نقلا عن رأي اليوم 

ثلاثاء, 05/07/2022 - 09:59