البودكاست.. هل عادت الإذاعة للمنافسة؟

أم لخوت/ الكوري ولد سيدي

رغم التحول الرقمي الهائل الذي يعصف بالعالم اليوم، ما تزال الإذاعة تتمتع بالكثير من عناصر جاذبيتها وأهميتها بالنسبة للجمهور، حيث تتميز بسمة مهمة لا تتوفر لغيرها من الوسائط، وهي إمكانية الاستماع لها أثناء القيام بمهمات أخرى، وخصوصا بالنسبة لمن يحتاج عملهم مجهودا يدويا أو بدنيا.

 

وفي خضم ثورة التواصل الاجتماعي لم يعد الراديو يلبي احتياج المستمع الذي يتطلع إلى محتوى صوتي فريد وسهل الاستماع بدون معوقات؛ وقد وجد عشاق الإذاعة ضالتهم في البودكاست الذي أعطى للبرامج الإذاعية أكثر من نفس جديد، مع تطوير أشكال جديدة للسرد الصوتي وسهولة الوصول إليه، مما أنتج ثورة في مجال الإذاعة ومكنها من نسج علاقات وثيقة إلى حد كبير مع المستمعين.

 

ما هو البودكاست؟

البودكاست برامج صوتية تبث عبر الإنترنت يمكن تحميلها على جهاز محمول أو هاتف للاستماع إليها في الوقت المناسب.

وتعود نشأة البودكاست إلى العام 2004 حيث كان يقتصر على ابتكار تكنولوجي يسمح للمحطات الإذاعية ببثّ برامجها بشكل غير مباشر عبر الإنترنت، ليتمكن المستمعون من تحميلها حسب ما يناسبهم.

وشهد البودكاست في الفترة الأخيرة نموا ملحوظا باعتباره تكنولوجيا العصر في مجال الإذاعة، إذ ازداد عدد قنواته بنحو 12 ألف قناة في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2019، أي بارتفاع يقدر بنحو 32 في المائة، وفقاً لتقرير نشره معهد "رويترز" لدراسة الصحافة في ديسمبر 2019.

وقد حصل انفجار في محتوى البودكاست وشهدت الساحة الإعلامية نموا هائلا في البرامج التي تستخدمه، حيث ارتفع الإقبال عليه  خلال العام الجاري (2021) بنسبة 58٪، ومن المتوقع أنيشهد ارتفاعا مطردا في عام 2022 ليصبح أكثر قدرة على منافسة بقية وسائل الإعلام الرقمي.

هل تعود الإذاعة للمنافسة؟

أصبح البودكاست بالفعل منافسا قويا لأشهر البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وسط توقعات أن يشهد نموا خلال الفترة المقبلة وتتوسع صناعته مع الوقت، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الإذاعة ستتراجع أمام طفرة البودكاست، بل إنه قد يساعدها في التمدد إلى أشكال وقوالب جديدة تسمح لها بمنافسة الوسائط الحديثة.

ومما يعزز هذا الاتجاه امتلاك الإذاعات للطاقم المحترف (المنتج المذيع المحرر الصوتي) والبنية التحتية اللازمة (استوديوهات، عتاد، ميزانيات) ما يمكنها من القدرة على اقتناص فرصة بزوغ البودكاست وجلب جمهوره الذي في غالبيته من فئة الشباب لصفها، في حين يتمتع البودكاست بمزايا إيجابية عدة تجعله مطلوبا من قبل مستمعي الإذاعة التقليديين.

الفرصة الضائعة

بعد أكثر من عقد من انتشار البودكاست، لا تزال الصحافة الموريتانية تتجاهله، وتضيع فرصة الانتفاع منه ومن قدرته على بلوغ  شريحة واسعة من المتابعين والمهتمين الذين لا يمكن الوصول إليهم عبر أي وسيلة أخرى.

فحسب المعلومات المتوفرة لا يوجد أي برنامج بودكاست موريتاني، لحد الساعة، رغم توفر وسائل إنتاج البودكاست لدى وسائل الإعلام الوطنية ووجود بيئة خصبة لنجاح برامجه بما تحمله من منوعات وسمات تكاد تكون منعدمة في المنصات المنتشرة في البلد.

وللاستفادة من الفرص التي يتيحها البودكاست من تقريب الأفكار من المستمع والهمس في أذنه وما قد ينتج عن ذلك من نشر للرسائل الإيجابية ومكافحة للتزييف ودعوات الخروج عن الأعراف والقوانين التي بلغت ذروتها مع توسع دائرة التواصل الاجتماعي وتعدد منصاته فإننا نقترح:

- توجيه وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بالاهتمام بالمحتوى الصوتي "البودكاست" كعنصر أساسي لجذب الجمهور سواء تعلق الأمر بوسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية والرقمية.

-مساعدة المنصات الرقمية والهُوَّاة في إطلاق بودكاساتهم الخاصة، عبر مواكبتهم بالتكوين والتوجيه اللازم من طرف الهيئات المختصة، وهو ما سيتيح لهم موارد مالية جيدة ويوسع دائرة متابعيهم ويوفر للجمهور مادة بديلة تتميز بالجاذبية والرصانة.

- بدء عمداء الصحافة الوطنية والشخصيات المؤثرة إنتاج برامج بودكاست عبر حساباتهم الشخصية أو المنصات الإعلامية المعروفة، على غرار نظرائهم في العالم العربي ودول الجوار.

- إعادة تدوير المذكرات السياسية والمقالات الناجحة والكتب العلمية النادرة واستغلالها سمعيا من خلال بثها على شكل مادة مسموعة عبر البودكاست، مساهمة في تثقيف الأجيال وتعزيز انتمائها الوطني والحضاري.

- اعتبار مهارات إنتاج وإعداد وتحرير وتقديم البودكاست من الأساسيات التي يجب أن يأخذها صحفي المستقبل الذي يرغب في أن يكون شاملا وملما بالإنتاج للوسائط المتعددة.

- الاهتمام الكبير بالمحتوى المقدم إذ يعتبر نقطة التركيز الأولى في البودكاست، عكس الوسائط الأخرى، حيث يعتبر المحتوى وسيلة شد الانتباه الأهم فيه.

- توعية الرأي العام للاستفادة من الفرص النوعية التي يوفرها البودكاست من إحياء للذاكرة الثقافية ودعم للشفافية والمصداقية والاندماج الاجتماعي، وترسيخ ثقافة المواطنة والانتماء.

جمعة, 05/11/2021 - 18:50