الإعلام الرقمي .. وانعكاسه على المنظومة القيمية بموريتانيا

أم لخوت الكوري ولد سيدي

أدى التطور غير المحدود والمتسارع في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال وما نتج عنه من انتشار وسائط التواصل الاجتماعي إلى التأثير في جميع مناحي الحياة الاجتماعية للأفراد، حيث ساهمت الوسائط الرقمية الحديثة في خلق مجتمعات افتراضية ضخمة يصعب تقييدها وتحديد أبعادها.

 

 وهو ما كانت له تداعيات واضحة على تغيير نمط تفكير الأفراد والجماعات، حيث أصبحت المسافات والحدود الجغرافية أشكال وهمية لا تستطيع إيقاف الغزو التكنولوجي المتدفق، وأضحت المجتمعات الافتراضية هي الواقع الجديد الذي يشكل حياة الأفراد المرتبطين إلى حد كبير بالأجهزة الحديثة كالحاسوب والهاتف المحمول والأدوات الأخرى، وهو مانتج عنه ما أصبح يعرف " بالفرد الحاسوب" أو "الأنسوب " (الإنسان الحاسوب) الذي يتعامل مع الآخر كرقم من ملايين الأرقام عبر وسائط تقنية افتراضية.

 

طبيعة التوصل الجديد

إن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تتيح للأفراد والنشطاء في الفضاء الرقمي حرية وجرأة لا مثيل لهما في الواقع الحقيقي للتعبير عن الذات بأفكارها وأحكامها ومشاعرها، وهو ما من شأنه أن يؤثر على المنظومة القيمية للمجتمعات في الاتجاهين السلبي والإيجابي؛ ومن هنا جاءت فكرة هذا المقال الذي يبحث انعكاس انتشار الإعلام الرقمي على المنظومة القيمية في موريتانيا.

 

فقد أثرت تكنولوجيات الاتصال الرقمي من خلال فرضها لأنماط وسلوكيات تواصلية جديدة على طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة داخل المجتمع الموريتاني، إذ ما فتئ نطاق التشبيك الاجتماعي الواقعي يضيق أكثر فأكثر على حساب اتساع نطاق التشبيك الافتراضي، الذي يعتمد أيديولوجية قائمة على الانفتاح، والحرية، والتفاعل النشط بين الأفراد والمجموعات من مختلف أصقاع العالم.

 

وهو ما نتجت عنه قطيعة بين جيل التواصل الافتراضي وجيل ما قبل العالم الرقمي، من خلال تباين إدراك أفراد الجيلين للأولويات الاجتماعية وطبيعة الروابط، حيث تحولت طبيعة العلاقات الاجتماعية من علاقات اجتماعية مباشرة ومترابطة إلى علاقات اجتماعية افتراضية لا تخضع في محدداتها لضوابط مجتمع الانتماء.

 

وأضفت العلاقات الافتراضية عفوية وتلقائية في التعبير عن الذات لدى الجيل الرقمي، إذ باتت أشكال التعبير في العالم الافتراضي تنتهج طرقا مختصرة وسريعة لا تخضع للرقابة الاجتماعية، حيث يتم التعبير عن الغضب والكراهية بجرأة وفظاظة ما يوضح سهولة تشكل الروابط الاجتماعية وسرعة تفككها في العالم الافتراضي، فعلى عكس المتعارف عليه في المجتمع الموريتاني المعروف بالتحرز من البوح بالمشاعر وتوقير الكبار سنا ومكانة تجد رواد الفيس بوك (أكثر مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا في موريتانيا) يعبرون عن مشاعرهم وميلوهم العاطفي أمام الجميع، ويتبادلون التعليق والإعجاب على مثل هذه المواضيع التي كانت تحسب إلى وقت قريب من المحظورات مع أشخاص أعمار آبائهم أو أجدادهم حتى.

 

تحول نوعي

إن التنوع الشكلي للتكنولوجيات والثورة العارمة في مجال تطبيقات التواصل الرقمي وما أتاحته من خدمات نوعية وسريعة يجب ألا يحجب عنا ما تفرضه من تأثيرات نفسية واجتماعية وثقافية على المجتمع الموريتاني وبالأخص فئة الشباب الذين بدأت هذه الوسائط تشكل بنية فكرية رقمية في عقولهم، بما يمهد لصدام حاد مع البنية الفكرية للمجتمع التقليدي.

 

ومما لا شك فيه أن ثورة الإعلام الرقمي أحدثت تحولات نوعية في أنماط حياة رواد مواقع التواصل الاجتماعي بموريتانيا تحمل في طياتها أبعادا شديدة التأثير من النواحي السلوكية، والوجدانية، والمعرفية، فقد باتت هذه المواقع بحكم جاذبيتها، وتنوع أدواتها، وشمول محتواها، وسيلة مؤثرة لتعزيز الهيمنة الثقافية، وتلاشي الرقابة المجتمعية؛ مما أدى إلى تغيير عادات الجمهور المستقبل للرسالة الإعلامية وإحداث نوع من القطيعة مع القيم الاجتماعية والدينية المتوارثة عبر الأجيال، وهو أمر ملاحظ بشكل كبير في المدن الكبيرة (نواكشوط – نواذيبو).

 

فقد أثر الإغراق المعلوماتي بمواقع التواصل الاجتماعي على وعي الأفراد وساهم في بث معتقدات وايديولوجيات غريبة على المجتمع الموريتاني مما خلق مزيدا من التناقضات الفكرية التي تهدد المنظومة القيمية وترسخ مفهوم عدم التقبل والنقد الهدام.

 

الوسيلة الأفضل للتأثير

ومهما يكن حجم التأثيرات، وعمق الارتدادات الناتجة عن تحديثات وسائل الإعلام الرقمي، إلا أنها تعتبر الوسيلة الأفضل للوصول إلى الجمهور، والتأثير في الشباب وخلق نافذة لتوحيد الخطاب الجامع وتعزيز الهوية الوطنية العصية على التفكيك.

 

وللاستفادة من التأثير الإيجابي للإعلام الرقمي في نشر قيم المواطنة والتماسك الاجتماعي وثقافة تقبل الاختلاف، في ظل تنامي استخدام تكنولوجيات الاتصال الحديثة بمختلف أنواعها وما باتت تفرضه من تحديات على نسيج وبناء المجتمع الموريتاني، ننبه على:

 

- الدور الفعال والحيوي لمنصات الإعلام الاجتماعي في التأثير على البنية القيمية للمجتمعات، واستقرار المسؤوليات الاجتماعية لأفرادها.

- أهمية دور منصات الإعلام الاجتماعي في خلق أو وأد القدرات الإدراكية، والمعرفية، والثقافية لدى المستخدمين، وترسيخ أنماط فكرية مختلفة تجاه القضايا.

- التركيز على فئة الشباب التي تعد طاقة ديناميكية لإحداث التغيير الايجابي في المجتمع.

- التأثير في المنظومة القيمية لا يحمل دائما الصبغة السلبية، خاصة مع اتخاذ الإجراءات التنظيمية، والتوجيهية في الاستثمار السليم والهادف للإنترنت.

- ضرورة إنتاج منصات الاعلام الوطنية لبرامج اجتماعية مؤثرة مسايرة للأحداث ومواكبة للنقاشات المثارة من طرف الشباب في وسائط الإعلام الرقمية.

اثنين, 10/05/2021 - 23:32