حول قضية "الأستاذ والبواب

الهببة الشيخ سيداتي

كشفت الحادثة عدة حقائق مؤسفة ونبهت إلى يتعين استحضارها، منها:

1. اتفاق الجميع على أن ما يحصل عليه صغار الموظفين، وبالأحرى العمال، لا يكفي ولا يغني. وقد تواتر الحديث عن هذه الحقيقة في سياق يشبه تبرير رشوتهم، أو يقلل من جرمها، وذلك بدل المطالبة بمنحهم ما يكفيهم.

2. كما كشفت الواقعة عن مستوى تطبيع "الضمير الجمعي" للشعب مع الفساد، واستعداد الغالبية للدفاع عن ممارساته بمبررات غير متماسكة.

3. "الأقربون أولى بالمعروف": الكرم الذي يتحدث عنه البعض وعن ضرورته مع من نراجع إداراتهم، أليس الأقارب والجيران أولى به وأحق؟ وهو فوق ذلك أبعد عن مواطن الشبهة. فلو كان الأستاذ تحدث مع جاره أو أحد معارفه لكانت المروءة مطلوبة وأولى، أما تقديم المال إلى رجل الأمن أو الكاتب والبواب فشبهة المساهمة في إفساد الموظف وإشاعة ممارسات الفساد أقرب أسبق إليه من التصرف وفق دواعي المروءة، بغض النظر عن قيم المجتمع وظروف الموظفين. 

4. "هلا جلس في بيت أبيه.."، وجود شبهة استغلال وظيفة، أو طلب استفادة مقابل خدمة، ينبغي أن يدفع الموظفين صغارا وكبارا لتجنب التعامل المالي عموما متاجرة، أو مكارمة، أو تسولا مع المراجعين.

5. إشكالية محاربة الفساد في هذه البلاد مجتمعية بالدرجة الأولى، فلكل مفسد أيا كان مستواه أو درجته "كتيبة دفاع" تنتظر الإشارة، وقد تسبقها. وهذا يجعل سؤال: من أين نبدأ في محاربة الفساد إشكالية عويصة. لأنه أيا كانت البداية سيطرح السؤال: لماذا من هنا؟ ولماذا "استهداف هذا الشخص بالذات"؟ 

الخطورة هنا، ليست في وجود الفساد، فالفساد موجود في كل بلدان العالم، وتحديه بالنسبة لها أن يظل استثناء بدل أن يتحول إلى قاعدة، وبالتالي فالنجاح في محاربته يقاس بمستوى الحد منه لا القضاء عليه، لأن القضاء عليه "حلم" بعيد المنال.

6. من الغريب جدا، أن يكون الدكتور محمد باب، الذي عمل في البلاد لسنوات وتولى مسؤوليات من بينها تنسيق مشروع مدرسة المعادن، لم يصادف طيلة هذا المسار أي عملية فساد أو رشوة أو شبهة ذلك رغم اتفاق الجميع على حجم انتشار الفساد بكل أنواعه، وخصوصا استشراء الرشوة والمحسوبية والواسطة، ولم يجد من شبهة أو دليل بعد كل هذه الفترة أكثر من مكالمة من عامل بسيط بعد أيام من إكمال معاملته واستلام الوثيقة التي يحتاجها.

7. يرد هنا "مبدأ شرعية الدليل"، أي أحقية الأستاذ في تسجيل كلام العامل أولا، وفي نشره لاحقا للعموم. لنفترض أن الأستاذ تأكد من القصد الجرمي لمحدثه، فهل يخوله ذلك شرعا وقانونا هتك خصوصية غيره، وتداولها خارج نظام التقاضي الطبيعي!

 

ختاما، ربما يكون من الوارد التعريج على مسألة نشر الموضوع بعد أن أرسله صاحبه وتبناه بشكل كامل، وكشف فيه ما يعتقده رشوة، وهي من "أمهات الفساد". ثم منح الطرف الآخر حق الرد، ليكون الرأي العام على بينة من الموضوع.

الحقيقة، أن خطأ الإعلام في عدم النشر لا يغتفر، لأنه تخل عن دوره واستقالة من واجبه، وخصوصا حين يتوفر صاحب صفة يتحدث عن قضية تعنيه، ويوثقها بصوته. دور الإعلام هو النشر، وتقديم كل الروايات حول الحادث، ومنح فرصة رؤيته من كل الزوايا. أما الحكم فدور المتلقي بناء على ما يطلع عليه من معلومات وبينات.

ولا شك أن تداول الحادثة، أيا كانت حقيقتها، أو النتيجة النهائية لها سيكون له تأثيره في إخافة الفاسدين والمرتشين، وتشجيع محاربي الفساد على تنويع أساليبهم، ورفع الصوت عاليا ضد الفساد والمفسدين.

جمعة, 07/10/2022 - 14:45