كل شيء يتغير في المملكة بما في ذلك الطبيعة مع التحولات المناخية غير المسبوقة التي سجلت تهاطل الامطار والثلوج التي زينت رمال الصحراء و ابلها بالابيض في مشهد لم يتعوده الاهالي الذين طبعوا مع الجفاف و ارتفاع درجات الحرارة في بلد الحرمين الشريفين …الاكيد انه الى جانب تقلبات الطبيعة فهناك تحولات فرضتها الاحداث و التوجهات السياسية للملك سلمان ثم لولي العهد محمد بن سلمان ..بل لعل من يذكر حادثة احتجازعدد من الامراء والاثرياء السعوديين في فندق الريتز كارلتون في نوفمبر2017 بدعوى محاسبة الفساد والفاسدين يدرك اليوم أن شيئا ما سيحدث في المملكة وأن هناك ما قبل و ما بعد تلك الحادثة …ولكن ربما لا احد حتى أمهر الخبراء و العارفين بالشأن السعودي كانوا يتوقعون أن تكون المملكة مقبلة مع اعلان مشروع التنمية2030 على القطع مع موروث من التقاليد في مجتمع تقوده ولاية الرجل و تدخل معه المملكة مرحلة من الانفتاح على مختلف الاصعدة وتبدأ التخلي عن سياسة الانغلاق و التشدد و ما افرزته من فكر متطرف و انسياق لشريحة من الشباب الى العنف و الارهاب و التورط في اعمال ارهابية و هجمات غيرت وجه العالم بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر …
فماذا يحدث في السعودية و هل باتت المملكة تستعد فعلا لمرحلة ما بعد النفط وهل سيكون الانفتاح شعار المملكة مستقبلا تمهيدا لفرض المساواة بين ابنائها من الجنسين وكيف يمكن ضمان استمرار ذلك في مجتمع تقليدي متشدد ظلت قياداته تعتبرأنها الحارسة على تطبيق احكام الشريعة على ارض مكة مهد الاسلام ؟..
كثيرة هي التساؤلات التي باتت ترافق تطورات الاحداث في هذا البلد الخليجي الذي ما انفك يفاجىء الخبراء و الملاحظين مع تواترالمؤشرات عن تحول في المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي في هذا البلد الذي يمرمن حالة الانغلاق والتشدد الى درجة التطرف الى حالة من الانفتاح الذي كان يبدو شبه مستحيل قبل سنوات …اخر الانباء تتحدث عن توجه نحو تعزيز تمثيل المرأة السعودية كديبلوماسية في عدد من الدول الاوروبية بعد تعيين امرأة على سفارة المملكة في واشنطن في تحول سياسي مهم بدأ باحتشام مع وصول الملك سلمان الى السلطة و اعلان حق المرأة في قيادة السيارة و تعزز لاحقا مع تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد بالغاء عقوبة الجلد ولسماح للفتيات بممارسة الرياضة في المدارس و تطورالامرلاحقا الى القبول بالاختلاط في الساحات العامة …لقاءات ثقافية وحفلات فنية و مسرحية وتظاهرات بمشاركة فنانين وفنانات من كل انحاء العالم يتوافدون على المملكة دون حاجة للنقاب اوالحجاب بل ان احدث صرخات الموضة حاضرة على الركح و مقدمات البرامج في القنوات السعودية بلا حباب ولا حاجة لاخفاء ما ظهر من صور جميلة تفتن الانظارفقد الغت المملكة شرطة الاخلاق التي كانت تلاحق النساء و الفتيات والتي لم تكن لتتردد في استعمال العصا لتذكيرهم بوضع الغطاء على الرأس أوبالتزام بالتقاليد المتعارف عليها …صورة تتكرر في ايران حيث لا تزال حادثة وفاة الشابة مهسا اميني تثيرالاحتجاجات أما في افغانستان طالبان فان الجماعة عادت الى عقيدتها الظلامية والى منع الفتيات و النساء من التردد على المدارس والجامعات والمؤسسات و حتى الاسواق ……
و لا شك ان الاحتفال الذي خصت به المملكة اللاعب البرتغالي رونالدو بعد تعاقده رسميا مع نادي النصر السعودي بصفقة خيالية تقدر بأكثر من 200 مليون يورو لن يكون اخر المطاف في مسار المفاجات القادمة من السعودية التي تراهن على امكانياتها الضخمة في تحقيق التغييرالمجتمعي الذي يطمح اليه شريحة واسعة من شباب المملكة و الذي لا يحظى بالتاكيد برضاء المحافظين و المتشددين الذين يرون في ذلك تطاولا على التقاليد و انحلال اخلاقي مدمر للاجيال ..
الاكيد ان المبلغ مغر و ان رونالدو ما كان ليحظى به في أي مكان في العالم و لكن الارجح أن خلف الصفقة حسابات ومحادثات ومفاوضات انتهت بتحديد وجهة اللاعب للسنوات القادمة …السعودية اختارت سلاح القوة الناعمة و قد تكون اقتنعت وبعد نجاح الدوحة في احتضان كأس العالم أنه بامكانها ابهار العالم بتنظيم دورات رياضية أوفنية او اعلامية كبرى و قد بدأت الاستعدادات لاحتضان الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2029 ثم الالعاب الاسيوية في 2034 بالعاصمة الرياض الى جانب استضافة كأس آسيا لكرة القدم للرجال والسيدات…بكل ما يعنيه ذلك من استثمارات مالية و تمويلات خيالية لكسب الرهان …
انتهت في السعودية حقبة هيئة الأمربالمعروف والنهي عن المنكر, وقد بدأ ذلك بالتدرج للحد من دورالهيئة التي كانت عين السلطة و العصا الغليظة التي تلاحق المستخفين بالقيود او من تسول لهم نفوسهم التمرد على التقاليد …
بوصلة السلطة في الرياض تتحرك في كل الاتجاهات في محاولة للتأقلم مع متطلبات العصر و ربما الانتقال بالمجتمع السعودي من حالة الكبت و تداعياته الى الانفتاح الطبيعي والارتقاء نحو المجتمعات المزدهرة الغنية بالعلوم والمعارف التي تتحكم في قدراتها و طاقاتها و تحدد مصيرها وتصنع سيادتها …سيكون من السابق لاوانه استقراء المشهد و لكن بعض الاشارات توحي بأن المملكة اختارت طريق الانفتاح السياسي و احتضان القمم واللقاءات الدولية والاقليمية التي تعزز موقعها خليجيا وعربيا ..
نقلا عن رأي اليوم