طرة …

الشيخ معاذ سيدي عبد الله

في مرحلة متقدمة من تاريخ الثقافة الأدبية في هذه البلاد كان الورق نادرا، وكان لزاما على القوم أن يحفظوا المتون عن ظهر قلب لأن أدوات تدوينها شحيحة .. ولا ننسى أن هدية الورق في ذلك العهد تماثل هدية من ذهب أو غرض ثمين اليوم..
و قد ذكر اليدالي في شرح قصيدته ( صلاة ربي) أن من الهدايا التي حصل عليها في رحلته الى أكادير دم رزم من الكاغد…
إن ضرورة الحفظ تطلبت هي الأخرى من شيوخ المحاظر وطلبتهم النابهين نظم المتون العلمية ليسهل حفظها وقد أشار الشيخ محمد المامي لعلاقة النظم بسهولة الحفظ..
وهكذا وجد الطالب نفسه تحت سلطة النظم (الرجز ومجزءات البحور) فانطبعت في ذهنه موسيقى عمودية لا تقبل ذائقته غيرها..
فالفقه منظوم والرياضيات منظومة والفلك منظوم والجغرافيا منظومة والتاريخ والسير وحوادث السنين .. كلها كانت في قالب نظمي…
يضاف إلى ذلك مقررات منهاج الأدب في المحظرة والذي يركز أساسا على العصور الثلاثة( الجاهلي، الإسلامي، الأموي) .. بينما لا يعير العصر العباسي كبير اهتمام لكونه غير معدود ضمن عصور الاستشهاد..
تصور أن يتم استبعاد المتنبي من المنهج المحظري منذ بداياته وحتى القرن الثالث عشر ..
حيث أشار إليه محمد عبد الله بن البخاري في ( العمران) ذاكرا أن رجلا جاءهم يبيع ديوانه وأن ابن الطلبه اقتناه..
المهم أن هذا الأسلوب التدريسي الفريد الذي انتهجته المحظرة الشنقيطية هو الذي خلق ذائقتنا الشعرية وهي ذائقة تتوارثها الأجيال .. وترفض أو - على الأقل - تضيق بأي خروج على قانونها..
لكن ما ينبغي أن ننتبه إليه هو أن التغيير ضرورة حتمية وهو مستمر في الشعر لكننا لا نشعر بذاك التغيير إلا حين يطال ( الشكل) مع أن التغيير الحقيقي هو ذاك الذي مسّ الصورة الشعرية، وحرر الخيال واللغة من قيد الجمود ..
هذه طرة على التدوينة الأدبية السابقة…

ثلاثاء, 17/01/2023 - 12:49