وقفات سريعة مع تصريحات قايد السبسي/ محمد كريشان

محمد كريشان

واضح إجمالا ولكنه غير حاسم… هكذا كان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في مقابلته التلفزيونية مساء أول أمس الثلاثاء والتي جاءت وسط أزمة سياسية خانقة تعيشها البلاد. انتظر البعض هذه المقابلة علها تعطي إشارات انفراج لها لكن ذلك لم يحدث.
إذا ما توقفنا عند أبرز ما قاله الرئيس لقناة «الحوار التونسي» الخاصة فسنجد ما هو جلي قاطع وما هو حمّال أوجه، ما يعني في النهاية أن المقابلة لم تكن محطة فارقة لتنفيس الاحتقان في المشهد السياسي الحالي، لاسيما وقد بدا الرئيس متحدثا للسياسيين المنشغلين بخصوماتهم أكثر مما كان يتحدث لعموم الشعب الذي ضاق بها ذرعا. 
لنفصـّـــل قليلا:
ـ يقول الرئيس إن التوافق السياسي الذي كان بينه وبين حركة «النهضة» انتهى بطلب من هذه الحركة مع أن زعيمها راشد الغنوشي صرح قبل أيام بعد لقائه بقايد السبسي أن هذا التوافق مستمر.. فكيف نفسر هذا؟! ثم أن هذا التوافق القائم منذ انتخابات 2014 يفترض أنه بين حركة «النهضة» وبين حزب «نداء تونس» الذي أسسه قايد السبسي، وبفضله وصل للرئاسة ولصدارة مجلس النواب وقتها، فكيف لا يعلن انتهاءَ هذا التوافق لا هذا الحزب ولا ذاك وإنما رئيس الدولة الذي هو فوق الأحزاب؟؟ اللهم إذا اعتبرنا أن هذا التوافق لم يكن فعلا سوى بين شخصين هما قايد السبسي والغنوشي وليس بين حزبين يتقاسمان الحكم. الرئيس أشار بالمناسبة إلى «الطريق الآخر» الذي اختارته «النهضة» (أي التحالف مع الشاهد وليس معه هو) فقال إنه يتمنى التوفيق لهذا التوجه الجديد ولكنه «لا يظن ذلك»، دون أن يوضح الأسباب بل وفي صيغة جعلته يبدو أنه يقبع في معسكر آخر غير معسكر الشاهد مع أنه يحاول جاهدا ألا يبدو بهذه الصورة. 
ـ لم يكن الرئيس حاسما في معالجة قضية ابنه حافظ المدير التنفيذي لحزب «نداء تونس» فقد اعتبر أنه ابنه «في الدار»، أي فقط في البيت، لكن السياسة شيء آخر. في هذه إشارة إلى أنه لا يعتزم أن يطلب منه مغادرة الساحة، التي لم يعرف له فيها اسم إلا بقدوم والده، بهدف استعادة وحدة حزبه المنسوفة، أو لتنفيس المشهد السياسي كله الذي تسمم بسبب الصراعات التي جلبها هنا وهناك. من كان سيصدق حسني مبارك إذا قال نفس الكلام عن ابنه جمال أو القذافي عن ابنه سيف الإسلام أو علي عبد الله صالح عن ابنه أحمد؟!! هكذا كان قايد السبسي للأسف. 
ـ حتى عندما أعطى إشارة خاطفة إلى إمكانية ذهاب ابنه في حال سبيله ربطها بذهاب رئيس الوزراء يوسف الشاهد، بمعنى إما أن يذهبا معا أو يبقيا معا، رغم أن شرعية الشاهد متأتية من البرلمان بينما لا بشرعية حتى داخل حزبه المفكك!! هل معنى ذلك أن الرئيس يرى في انسحاب ابنه وبقاء الشاهد هزيمة له شخصيا مع أنه يفترض أن الأمر ليس كذلك، اللهم إذا سلمنا نهائيا وبالدليل القاطع أن الرئيس يقف قلبا وقالبا وراء ابنه رغم كل الخراب الذي سببه لحزبه قبل أي شيء آخر. 
ـ مرة أخرى، يدعو قايد السبسي الشاهد لطرح الثقة في حكومته أمام البرلمان مع أن لا شيء يجبره على ذلك لا دستوريا ولا سياسيا. ما الداعي لطرح مثل هذه الثقة إذا كانت التصويت سيكون مضمونا لصالحه، بفعل موازين القوى الحالية في البرلمان التي ترجح كفة الشاهد، كما ألمح إلى ذلك الرئيس نفسه، إلا إذا كان في الأمر إرضاء لكبرياء بعض الأطراف أو نزقهم وأولهم طبعا حافظ قايد السبسي. 
ـ في المقابل، لم يرد الرئيس أن يلتجأ إلى الفصل 99 من الدستور الصادر مطلع 2014 ليطرح هو نفسه الثقة في الحكومة أمام البرلمان لأن هذا الفصل ملغوم وقد يقود في حالته القصوى إلى انتخابات مبكرة أو حتى استقالة الرئيس نفسه إذا ما جدد البرلمان الثقة مرتين متتاليتين في الحكومة. الرئيس هنا، إما أنه يريد أن تتم العملية بيد الشاهد لا بيده، أو أنه لا يريد أن يدخل في مواجهة مباشرة مع رئيس الوزراء، تفضح اصطفافه الكامل إلى جانب ابنه وقد تكلفه منصب الرئاسة إذا ما تعقدت الأمور أكثر. لقد بدا الرئيس في مقابلته التلفزيونية في موقف دفاعي جعله يقول بأنه «لا يساند أحدا ولا أساند إلا مصلحة تونس» دافعا عن نفسه تهمة مسعى التوريث الذي قال إنه «كلمة أصبحت أصلا تجاريا لدى البعض اليوم»… لكن للأسف الكلام وحده لا يكفي.
ومع ذلك، تبقى النقطة الإيجابية الهامة والأساسية التي جاءت في مقابلة الرئيس تأكيده على أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستجري في موعدها نهاية 2019 بدون «تقديم ولا تأخير»، كما بدأ البعض يروج، بحيث على التونسيين أن يتحملوا أكثر استمرار هذا النكد السياسي العام عله ينجلي بعد سنة ونيف… إذا ما سارت الأمور عادية بلا مفاجآت سارة أو سيئة.

أربعاء, 26/09/2018 - 12:22