حديث الأربعاء

محمد فال بلال

رحلة من رحلات الخطوط الموريتانيّة،
شهر مايو 2016
عند باب المطار، سألني الدركي : معالي الوزير؛ إلى أين إن شاء الله ؟ قلتُ : إلى دكار، إن شاء الله. ثمّ طلب جواز السفر والتذكرة؛ ولمّا نظر في الجواز بدَت عليه ملامِح الحَيرة، وقال: هذا جواز عادي !؟ لماذا لا تسافر بجواز دبلوماسي؟ قلتُ له: ليس عندي جواز دبلوماسي؟ اندَهشَ وقال: كيف ذلك؟ قلتُ: لم أحصل عليه منذ أن غادرت السفارة الموريتانيّة في قطر؟  أظهرَ الدّركي قدرا من التأسُّف، وسألني: أليس من حق وزراء الخارجية الحصول على تجاوز ديبلوماسي مدى الحياة؟ قلت : بلى، ولكن القانون قد لا يطبق أحيانا. سكت الدركي، ورافقني حتى طاولة الشركة، وذهَب مشكورا.
أمام طاوِلة التسجيل، طلبت منّي السيّدة العاملة في الخطوط جواز السفر والتّذكرة؛ ولمّا نظرَتْ في التّذكرة، بدت عليها، هي الأخرى، ملامح الحَيرَة، وقالت: معالي الوزير، هذه تذكرة درجة سياحيّة!؟ قلتُ لها: امْبارْكَه إن شاء الله؛ الزّمن ألاّ ماهُ امتين، والحال ألاّ  زين بالفال! ثمّ قالت : آه ! الجواز امَّلِّ جواز عادي !؟ أخذتُ منها بطاقة صعود الطائرة، وقالت بطيْبوبَة وهدوء : مع السلام، سفر سعيد معالي الوزير.
وقضيتُ ساعات طويلة في قاعة الانتظار، وصلّيتُ الفجرَ مع الجماعة؛ ثم حان وقت الصعود إلى الطّائرَة. صعدتُ وأخذت مقعدي وبدأتُ في الدعاء : دعاء السفَر، آيات الحفظ كما حفظتها عن جدتي المغفور لها بإذن الله، مريمُ منت الحسن (ميَّ علما): الفاتحة، و آية الكرسي، و الإخلاص، والمعوذتين - فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ - وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ - وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ - وَحِفْظًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ - أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون - فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَـٰفِظً۬ا‌ۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٲحِمِينَ - وَنَحْفَظُ أَخَانَا - وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَٰفِظِينَ - لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٌ مِّنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ يَحْفَظُونَهُۥ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ۗ- إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُ ۥ لَحَـٰفِظُونَ - وَحَفِظۡنَـٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَـٰنٍ۬ رَّجِيم - وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ سَقۡفً۬ا مَّحۡفُوظً۬ا‌ۖ - إِن كُلُّ نَفْسٍۢ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ - وَٱللَّهُ مِن وَرَآٮِٕہِم مُّحِيطُۢ، بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٌ۬ مَّجِيدٌ۬ فِى لَوۡحٍ۬ مَّحۡفُوظِۭ - وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد الإقلاع بدقائق معدودة، بدأ الطاقم يمارس في السماء ما علِق به وعشِقَ من ممارسات الأرض. بدأت الزبونية والمحسوبيّة والانتقائيّة. ميّزوا منّا امرأتين ورجلا، و"باسُوهم" مجّانا وبدون خجل من الدرجة "السياحية" إلى درجة الأعمال،،، حاولوا المرور بهم من مؤخّرة الطائرة إلى مقدّمتها وهم يجرّون وراءهم أمتعتهم في ضجيج مزعِج؛ ولكن الركاب احتجوا وثاروا ضد هذا التلاعب والظلم والازدراء. أغلقوا الممر في مقصورة الطائرة، وقالوا: أليس هذا الوزير السابق والرجل المسِن أحق بالاحترام والتقدير من هؤلاء؟ ألا تحترمون قوانين شركتكم على الأقل؟ وحدث تدافع شديد وتراشق بالألفاظ مع أفراد الطاقم في الجو. وبعد ربع ساعة ساخن، تمكنا بحمد الله من تهدئة الأمور. وحطّت بنا الطائرة بخير في مطار دكار.

أربعاء, 15/02/2023 - 15:51