تحل اليوم - الاثنين 28 نونبر 2022 - الذكرى 62 لاستقلالنا الوطني وهو الحدث الأبرز في تاريخنا المعاصر، في وقت تقف فيه موريتانيا صامدة أمام تحديات العالم والإقليم الملتهب شرقا، والمتوتر شمالا،
والمتأرجح جنوبا.
جمعتُ بين المدرسة والمحظرة في كيمي (Guimi) ومقطع لحجار من 1954 الى 1957، تاريخ تحويل الوالد الى مدرسة سيلبابي. أخذني معه في أول رحلة من البادية الى القرية…ويا لها من رِحلة !؟ كيف الوصول من ضواحي مقطع لحجار الى سيلبابي؟
مع بدء العد التنازلي لنهاية مهمتي في "سيني" والتحرر منها، يطيب لي أن أسجل كلمة موجزة عن شخصيات رائعة قابلتها مدّة انتدابي هنا، وبقت محفورة في ذاكرتي.
1- الشاب مالك ولد أحمد لعبَيد
من أجمل الحِكم والأقوال التي قيلت قديما: "ما زاد عن حده، انقلب إلى ضده".
سمعت هذه العبارة وبقيت عالقة في ذهني منذ الصغر، وما زلت أكتشف حتى الآن مدى النظرة الثاقبة وراءها. علمتني الحياة أن الشيء - مهما كان - إذا زاد عن حده، انقلب إلى ضده.
في مجتمع خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت الناشئة تتربى أولا وقبل شيء على العقيدة. عندما تزداد الأسرة بمولود جديد يُرفع الأذان في أذنه اليمنى فَورا وتُقام الصلاة في أذنه اليسرى. فيكون أول ما يطرق سمعه في الوجود هو ذكر الله.
في الماضي، كان من شبه المستحيل أن ترى موريتانيا إلّا ويرتدي - حاملا في عنقه - تسبيحة وتمائم، يسمونها "كتب": كتاب صحّة، وكتاب فتح، وكتاب نصر، إلخ… تتدلى على صدره. وتتخذ هذه "الكتب" أشكالا مختلفة.
لاحظت منذ سنوات أنه كلما اقترب شهر رمضان المبارك، كلما ارتفعت نسبة التسوُّل المقنّع والاستجداء والشحاذة في الشارع. "موضة" تنتشر كاللهيب في الناس على اختلاف مستوياتهم المعيشية. وتلتهم الفقير الظّاهر فقره، والقوي، وصاحب دراعة "أزبي"، والشاب صاحب السيارة، إلخ...