كل الحروب قذرة , ودماء الضحايا والابرياء لا تقبل المفاضلة و هو ما يتعين على القوى الاقليمية و الدولية و الاصوات المتنفذة و المؤثرة في صناعة القرار الدولي و التي تحذر من امتداد الحرب الروسية في اوكرانيا ان تدركه …الحرب قذرة و فظيعة و غالبا ما يدفع الاضعف ثمنها و هم النساء و الاطفال و المدنيون عموما و هذا ما كشفته احدث الحروب في عصرنا الحالي والتي عاش العالم اطوارها يوما بيوم منذ الساعات الاولى لاندلاعها و نقصد بذلك الحرب الامريكية في العراق التي يمرعليها اليوم عشرين عاما , والتي يمكن القول انها كانت حربا خاطفة انطلقت في الثالث من مارس 2003 و انتهت في 20 مارس 2003 و لكن ما خلفته من خراب و دمار و صراعات و انقسامات لا تزال مستمرة حتى بعد الانسحاب الامريكي من هذا البلد , والامر ذاته ينسحب على حرب الاستنزاف التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ عقود تحت مظلة الاحتلال الاسرائيلية وهجماته اليومية ضد المدنيين …
و لو شئنا يمكن أن نستعرض مختلف الامثلة الفظيعة للحروب التي مرت على العالم و على المنطقة العربية على مدى العقدين الماضين و لايزال ما حدث في اليمن ماثل امام الانظار و ما حدث في سوريا و الامر ذاته في لبنان و ليبيا ..أما الحرب في افغانستان فتلك مصيبة اخرى لم ينتبه العالم بعد لما ستؤول اليه بعد الهروب المذل للقوات الامريكية من هذا البلد في اعقاب عشرين عاما من التواجد في افغانستان و تسليم البلاد هدية لطالبان لتنكل بالافغان و تجعل من النساء وقودا لحرب الجاهلية التي تستمر هناك .
نقول هذا الكلام و نحن نرصد تصريحات بابا الفاتيكان بشأن الحرب الروسية في اوكرانيا والتي اعتبر أنها حرب عالمية ثالثة …و الاكيد أنه عندما يتكلم صاحب كرسي البابوية و هو من يمثل اكثر من مليار و نصف من الكاثوليك فان له تأثيره ووقعه على الراي ألعام الدولي … و الحقيقة أن البابا لم يجانب الصواب في اشارته لفظاعة الحرب التي اتخذت ابعادا عالمية و لكن الاصوب ايضا أن منطق الحرب مرفوض في كل الحالات خاصة في وجود كل اسباب التواصل و كل فضاءات التفاوض لاطفاء اللهيب لا سيما و ان ثمن الحرب مكلف و باهض و فيه استنزاف لحياة البشر و استخفاف بأمن استقرار الشعوب ..
باقراره بأن الحرب الروسية في اوكرانيا باتت حربا عالمية ثالثة فان بابا الفاتيكان ينسجم كل الانسجام في ذلك مع موقف عميد الديبلوماسية في أمريكا و احد اكبر المنظرين هنري كيسنجرالذي يوصف بثعلب الديبلوماسية وقد سبقه الى هذا الاستنتاج عندما توقع الحرب القادمة مع روسيا و قد سبق لكيسنجرأن نشر مقالا في مجلة “ذا سبكتايتر” البريطانية المحافظة من أن النزاع في أوكرانيا له أوجه تشابه مع عام 1914 عندما انزلقت القوى الكبرى دون قصد إلى حرب عالمية…
وسبق أن دعا كيسنجر في حينه الى وقف لإطلاق النار وانسحاب روسيا إلى خطوط ما قبل الاجتياح ولكن ليس أبعد، بحيث تبقى روسيا في شرق أوكرانيا وكذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكوعام 2014، مع إخضاع هذه الأراضي لعملية تفاوضية لاحقة…كان ذلك قبل أن يغير كيسنجر موقفه المعارض لانضمام اوكرانيا الى الناتو و دعوته صراحة خلال مؤتمر دافوس “الآن وقد وصلت هذه العملية إلى هذا المستوى، فإن فكرة أوكرانيا المحايدة في ظل هذه الظروف لم تعد ذات جدوى”. بعد أن استهدفته الانتقادات والاتهامات بالسعي لتسليم اوكرانيا للروس ..
أول أمس اعتبر بابا الفاتيكان في حوارتم تسريب مقتطفات منه يفترض أن ينشر اليوم كاملا في القنوات الايطالية أن “مصالح استعمارية تقف وراء حرب أوكرانيا وأن روسيا لا تتحمل المسؤولية وحدها” وقال البابا إن مصالح “إمبراطوريات” عديدة هي التي تحرك الحرب في أوكرانيا وإن الأمر لم يحدث بسبب روسيا فقط.وكشف أن مصالح استعمارية وليس بسبب الإمبراطورية الروسية فحسب، ولكن بسبب إمبراطوريات أخرى”….لم يشأ البابا الى هذه المرحلة أن يذهب أبعد من ذلك أو يحدد هذه الامبراطوريات و هي بالتأكيد معلومة فالامبراطوريات المتنافسة على التحكم في العالم و قيادته محددة في الامبراطورية الامريكية والروسية والصينية الظاهرة في المشهد, أما اوروبا فقد بات واضحاأنها فقدت صفة الامبراطورية العجوز منذ بداية هذه الحرب و هي التي بقيت على الهامش واقتصرت على تزويد اوكرانيا بالمال والسلاح و قبول ما تفرضه واشنطن من تحولات مسارهذه الحرب … ويبدو حتى هذه المرحلة أن التعاطي الاعلامي الاوروبي مع الحرب بدأ يتحول عما كان عليه منذ بداية الحرب مع اطلاق خبراء عسكريين و محللين وديبلوماسيين مواقف تحذر من الانسياق وراء دور الممول لحرب لا نهاية لها ..
خطاب البابا لم يحمل طرفا بعينه مسؤولية اندلاع الحرب ولكنه عبرعن استعداده للتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل الدعوة إلى السلام…
وليس من الواضح ان كان ابابا سيتحول قريبا الى وسيط في هذه الحرب لا بين موسكو و كييف فهذه مسألة واضحة فالطرف المعني بأي تحول في هذه الحرب لا يرتبط باوكرانيا و لا برئيسها الممثل السابق زيلنسكي و لكن بموقف واشطن و ما يمكن أن يذهب اليه الرئيس بادين في الايام القادمة لانهاء الحرب الدموية التي تجاوزت تداعياتها حدود روسيا و اوكرانيا و امتدت الى مختلف دول العالم المتطورة منها و الاقل تطورا و ما دون ذلك من دول تعيش على هامش العالم الذي تقوده القوى الصناعية المتحكمة بمصادرالطاقة ولكن ايضا بمختلف مصانه السلاح التقليدي أوغير التقليدي والتي تحتاج بين كل فترة الى مختبرات ميدانية لترسانه اسلحة جديدة و لكن قبل ذلك تحتاج للتخلص من مخازنها من السلاح …
اقرارالبابا بأن الحرب في أوكرانيا عالمية وأنه لا نهاية في الافق لها ليست مبالغة في قراءة المشهد , ولا هي ايضا نابعة من فراغ بل هي مبنية على عدة أسباب صحيحة حتى و ان غاب عن تصريحات البابا عدد اخر من الاسباب , و قد اعتبر البابا أن روسيا ليست المسؤول الوحيد عن اندلاع هذه الحرب و أن هناك امبراطوريات أخرى تؤجج هذه الحرب
و لعل الاهم في صريحات البابا اعتباره أن الحرب تُشن عندما تبدأ إمبراطورية الضعف، وعندما تكون هناك أسلحة يراد استخدامها واختبارها وبيعها”…
نعم ما يحدث في اوكرانيا مخيف و مرعب و سيدفع ثمنه على المدى القريب و البعيد الاضعف في معادلة النظام الدولي الحالي حتى في النظام الدولي الذي سيتضح عندما تنتهي الحرب … يشير البابا أنه في قرن و نصف حصلت ثلاث حروب عالمية الاولى 1914-1918 و1939الثانية -1945 وهذه الحرب وهي حرب عالمية… بدأت مجتزأة ولا يمكن لأحد القول إنها ليست حربا عالمية”…ساحة المعركة في هذه الحرب العالمية اوكرانيا ,وهو بذلك يتجاهل مخاطر و ماسي بقية الحروب الدموية التي لا تقل خطرا و استنزافا عما يحدث في اوكرانيا …
الزعيم الروحي للكاثوليك ورئيس دولة الفاتيكان أصغر دولة في العالم البابا فرنسيس، أن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا أبرزت حاجة منظمة الأمم المتحدة للإصلاح…و هذا ايضا مسألة مهمة لان الهدف الاول الذي اشأت لاجله الامم المتحدة هو الامن و السلم في العالم و منع تكرار فظائع الحربين التي شهدتها البشرية أوائل القرن العشرين, و قد فشلت الامم المتحدة في ذلك و بات هناك حاجة لبديل يمكن أن يكون انطلاقا من اصلاح الامم المتحدة أو من خلال استحداث اليات أخرى لانقاذ الاجيال القادمة من وباء الحروب و الصراعات و الانتصار في المقابل لحرية الامم و الشعوب دون تمييز بين احد منها بسبب اللون اوالعقيدة او الجذور وهذا ايضا ما كشفته جائحة كورونا ..و لكن سرعان ما تم تجاوزه لمجرد الاعتقاد أن صفحة الجائحة طويت …
كل الحروب قذرة و كل الحروب خطرعلى البشر و السلاح مهما كان نوعه لا يفرق بين الضحايا …