نكاد نجزم أن عنوان القمة العربية المرتقبة خلال شهرين في العاصمة السعودية الرياض ستكون قمة عودة دمشق الى الجامعة العربية وغير ذلك سيكرس القناعة بأن وجود جامعة الدول العربية أضحى بلا معنى وانه آن الأوان لهذا الهيكل الذي فقد سبب وجوده أن يختفي من المشهد وربما يفسح المجال لظهور هيكل أكثر صلابة وأكثر قدرة على التعاطي مع الأزمات والملفات العربية في زمن اللامعقول ودخول العالم عصر المنافسة المتوحشة تحت شعار البقاء للأقوى ..
نقول هذا الكلام ليس لأن هذا ما يقوله المنطق، فنحن في عالم ضاع فيه المنطق منذ زمن طويل حيث بات الواضح أن المنطق هو آخر ما يفترض أن يسود في العلاقات بين الأمم.. وليس لأن سوريا هي الملف الوحيد العالق الذي يحتاج للحل فهذا ليس من الصواب في شيء فالأزمات والملفات العربية الحارقة لا أول لها ولا آخر من اليمن الى لبنان وفلسطين وليبيا والعراق.. ولكن لان هذا ما يفترض أن يكون أولا لأن في حل هذه المعضلة السورية العالقة سيساعد في حل الكثير من الملفات الأمنية والغذائية المرتبطة بها.. فضلا على أن كل الإشارات والرسائل المتواترة من السعودية ولكن أيضا من دول المنطقة لاسيما في أعقاب اتفاق الأيام القليلة الماضية بشان تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية بوساطة صينية تؤكد أن البوصلة تتجه نحو عودة سوريا وإيقاف جزء من النزيف الحاصل في المشهد العربي المتآكل الى درجة الانهيار ..
بيننا وبين قمة الرياض نحو شهرين وهي مدة وجيزة لا أحد يتوقع أن تزول خلالها كل الأزمات التي تسود الخارطة الدولية بدءا من تداعيات جائحة كورونا التي لا تزال تفرز تداعياتها الخطيرة وصولا الى مخاطر الحرب الروسية الأوكرانية التي يدفع ثمنها الجميع لا سيما الدول المعدومة التي تواجه أزمة غذائية متفاقمة فضلا عن أزمة المحروقات التي أنهكتها وأثقلت كاهلها هذا الى جانب القصف شبه اليومي الإسرائيلي على سوريا والذي شمل العاصمة دمشق.. وهي أسباب من شأنها أن تدفع الى البحث عن البدائل لتغيير هذا الواقع المشين أو على الأقل الى تطويق الأزمات وتجنيب شعوب المنطقة مزيد المآسي ..
قمة الرياض ستكون شبيهة في ظروف انعقادها بقمة انشاص في ماي 1946 بمشاركة الدول السبع المؤسسة التي انعقدت لدعم حق الشعوب في استقلالها بمعنى أن التحديات كبيرة ومعقدة والمسؤولية تفرض المضي قدما نحو محاولة إنقاذ ما بقي من سوريا وما بقي من خارطة عربية قبل حصول الانفجار الأشنع ..
أمس أعلنت الجامعة العربية أن موعد القمة القادمة سيكون في شهر ماي القادم وأن الرياض ستحتضن هذا الموعد كما أعلنت عن ذلك خلال قمة الجزائر في نوفمبر الماضي.. وقد سعت الجزائر قبل انعقاد القمة الماضية في دورتها الواحدة والثلاثين أن تكون سوريا حاضرة ولكن يبدو أن معارضة بعد الدول العربية حالت دون ذلك.. اليوم يبدو أن تحولات كثيرة تعزز تحقيق هذه الخطوة.. والأرجح أن كارثة الزلزال المدمر الذي أصاب تركيا وسوريا أزال الكثير من الغشاوة عن الأنظار ودفع الى رفع الكثير من الحواجز التي كانت تمنع هذا التقارب وفتح الأبواب في دمشق لاستقبال وزراء خارجية عرب بدافع التضامن الإنساني العربي والدولي أمام هول المصاب ليستقبل بذلك مطار حلب الطائرات القادمة إليه من مختلف العواصم العربية محملة بفرق الإنقاذ وبما يحتاجه الأهالي المنكوبون من مساعدات.. حتى هذه المرحل يقول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهّد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت عشر سنوات، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة. وهذا يعني بكل بساطة أن المشهد الراهن لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية وأنه بالتالي يجب البحث عن الحلول المطلوبة والتوقف عن انتظار الحلول الجاهزة أو الحلول المعلبة وكأن الأمر يتعلق باستيراد المواد الاستهلاكية من المصانع الأجنبية.. والحال أن الأمر يتعلق بعودة بلد عربي كان ولا يزال من مؤسسي الجامعة العربية منذ نشأتها قبل أكثر من سبعة عقود.. والأرجح أن السعودية وقبل إعلان أي موقف في هذا الاتجاه تظل في حاجة لضمان موافقة كل الأطراف على استعادة سوريا مقعدها الشاغر قبل أي خطوة في هذا الاتجاه ..
من الواضح أن تداعيات عزل سوريا والإصرار على مقاطعتها طوال أكثر من عقد كانت له أسوأ الآثار والتداعيات على المنطقة حيث تحولت سوريا الى بلد خاضع لسيطرة عسكرية لأكثر من جهة إقليمية ودولية في مشهد يعمق مخاطر الانفجار الحاصل في الجوار العراقي دون أن ننسى ما تتعرض له سوريا يوميا من قصف وعدوان إسرائيلي طال العاصمة دمشق في خرق وتحد سافر لكل القوانين والأعراف..
المعطى الذي لا يجب تجاهله في هذه المرحلة فيتعلق بالتقدم الديبلوماسي الحاصل بين الرياض وطهران.
والترتيبات لعقد لقاء مشترك بينهما خلال الأيام القادمة التي تسبق قمة الرياض..
نقلا عن رأي اليوم