لم تنطلق الحملات الانتخابية بعد؛ بل ولم تعلن أغلب الأحزاب قوائمها الوطنية ومرشحيها في عدد من الدوائر؛ لكن مؤشرات سخونة التنافسية بدأت تنعكس على مشهد ظلت التهدئة عنوانه الرئيس منذ أربع سنوات.
اجتماع وزير الداخلية بأحزاب الموالاة ومن بعد بأحزاب المعارضة وأحاديث هنا وهناك عن تجاذبات بين أطراف محلية وأخرى وطنية جعل السؤال الأجدر بتركيز "الزوم" هذا الأسبوع هو سؤال مستقبل التهدئة في أفق استحقاق الثالث عشر من مايو الوشيك.؟!
هزات المغاضبة الارتدادية
على خلاف المعتاد في المشهد السياسي الوطني في الفترات الماضية يبدو التهديد الرئيس للتهدئة اليوم من داخل صفوف الموالاة أكثر منه من خنادق المعارضة، وهي ظاهرة يعتقد مراقبون أنها تعود لعوامل عدة منها:
✔️ تجذر التنافسيات المحلية بسبب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتغير الخرائط الديمغرافية في عدة مناطق.
✔️ تراخي قبضة الحزب الحاكم ومحدودية حضوره في المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة.
✔️ ضعف الأداء السياسي لقوى المعارضة؛ مما حول التنافس في عديد الحالات من تنافس مع السلطة إلى تنافس على كسب تمثيلها.
حصاد التقارب..
وإذا كان شعار التهدئة ظل ثابتا أساسيا من ثوابت خطاب الفريق الحاكم خلال الفترة الماضية؛ فالظاهر أن بعض أطراف المعارضة تريد أن "تقبض" بعض ثمنه في الموسم الحالي؛ لكنها في الوقت ذاته تريد استعادة نفس معارض؛ عسى أن يزيد ذلك من رصيدها في استحقاق لم تتضح بعد ميولات الناخبين الكبرى تجاهه.
✔️ وهكذا شاهدنا بواكير تحالفات بين أحزاب معارضة؛ وأخرى موالية في عدد من مدن الداخل، كما تتحدث عديد التقارير عن دعم كتل اجتماعية موالية لأحزاب معارضة في عدة دوائر لتوصل رسائل غضبها من خلال إلحاق الهزيمة بمرشحي حزب الإنصاف الحاكم.
✔️ ولكن هذه الأحزاب المعارضة تقع- فيما يبدو- في إشكال حين تريد الجمع بين قطف ثمار التهدئة لتكون قبلة المغاضبين وبين تبني خطاب معارض مغاضب هو الآخر من انحياز السلطة للفريق الداعم لها على حساب القطب المعارض.
وكان اللقاء الذي جمع وزير الداخلية قبيل إغلاق باب التعديلات على الترشيحات الجهوية والبلدية والنيابية وما تسرب عنه من حث لأحزاب الموالاة على عدم منافسة حزب الإنصاف في المناطق التي قد يواجه فيها منافسة جدية من المعارضة؛ محطة أظهرت ارتباك الموقف المعارض وهو يحاول الجمع بين "ثمار التهدئة" ودفئ استعادة الخط المعارض القوي.
السخونة البينية..
ولعل مما قد يميز الانتخابات الحالية عن سابقاتها هو انتقال حدة التنافسية من ثنائية المعارضة والموالاة إلى تنافسية على التصدر والزعامة في المعسكرين
ويظهر هنا بشكل بارز حتى الآن.
☑️ وجود أحزاب في الموالاة يتصدرها (الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم - والإصلاح- والتحالف الوطني) تسعى لأخذ حصة أكبر من الأصوات الداعمة للسلطة وترى أن "مصلحة الحكم" تكمن في وجود عدة أحزاب قوية داعمة له وليس في وجود حزب وحيد حاكم.
☑️ وفي الخندق المعارض يحتدم صراع صامت بين عدة أطراف يرى كل منها أنه الأحق بزعامة المعارضة في المرحلة القادمة:
✅ فتحالف حزب الصواب وحركة إيرا يراهن على نتائج الانتخابات الرئاسية التي حملت مرشحه (النائب بيرام الداه اعبيد) ثانيا لتحضير نفسه ومناصريه لزعامة المعارضة.
✅ وتواصل الذي يقود المعارضة لمأموريتين يبدو مستميتا في الدفاع عن مركزه الذي يمنحه امتيازات سياسية ومعنوية بالغة الأهمية للحزب الذي يواجه منذ فترة خلافات على خطه السياسي.
✅ وحتى داخل القوى التي تريد تصنيف نفسها قوى شبابية صاعدة في المعسكرين الموالي والمعارض يلحظ وجود بوادر تنافسيات ساخنة على أيها الأكثر شبابية وتجديدية.
✅ وعلى المستوى الايديولوجي لايمكن إغفال مؤشرات عودة قيادات من أجيال مختلفة من التيارات القومية العروبية والزنجية على قوائم حزبية عديدة (لعلنا نعود لهذا الملمح في زوم قادم بحول الله)
هكذا يمكن القول إنه وبرغم وجود مصالح قوية لدى عدد من الفاعلين الموالين والمعارضين في استمرار التهدئة، وكبح جماح التصعيد، بيد أن عوامل تلتقي فيها ارتدادا المغاضبة، وحسابات زعامة المعارضة، وعودة الحركات الايديولوجية بقوة؛ تجعل من الراجح هزيمة التهدئة في النهاية على أرضية تنافسيات متلاحمة برغم تعدد البواعث والمآلات.