يدرك الجميع، أننا بلد لديه منذ عشر سنوات أولوياته، التي ألغت كل مشاريع التأزيم والإقصاء، وأنهت عهودا من كبت الحريات واستيراد صنوف الاديولوجيات واستنساخ تيارات الرحيل ، ورفضت مشاريع التقسيم التي ترعاها قوي الاستعمار و جواسيس السفارات الأجنبية من كل لون من ألوان مروجي الكراهية العنصرية، والاستهزاء بأئمة المالكية ومناهج المحظرة، والمكذبين بالدين .
تجربتنا الديمقراطية أولوية من أولويات المرحلة، لأنها كرست قيم الحوار الموريتاني الموريتاني، وصاغت دستوريا أسس المصالحة الوطنية، وألغت فلسفة نفي الآخر جملة وتفصيلا
وتقوم هذه التجربة على ضمان الحريات المثبتة في الدستور: السياسية، والحقوقية، والإعلامية، والاقتصادية، والتنافسية.
ومن أهم أولوياتنا اليوم تخطيطا وتوجيها ، ضمان السلم والاستقرار في بلدنا خصوصا ، وفي "إقليم الساحل الإفريقي عموما، هذا الفضاء الساحلي الذي تبلغ جغرافيته عشرة ملايين كيلومتر مربع، أربع وستون بالمائة من هذه المساحة عبارة عن صحراء جرداء والثلاثون البقية صالحة للزراعة والسكن، ويقطن هذا الإقليم حوالي مائة مليون إفريقي متوزعين على قبائل وأعراق متعددة، وبلغات مختلفة أهمها العربية والأمازيغية والحسانية ولهجات إفريقية محلية كثيرة، إضافة إلى لغة المستعمر: الفرنسية، كما يعتبر الإقليم أحد أفقر المناطق بالعالم، فنجد النيجر على سبيل المثال ، لا الحصر، كأفقر دولة بالعالم بأكثر من سبعين بالمائة من السكان تحت خط الفقر، حسب تقرير الأمم المتحدة".
ولعل أولوية الأولويات عند أغلبية الموريتانيين عبر الماضي و الحاضر والمستقبل، هي المحافظة على عطاء علمائنا و نموذج قيادتنا للدعوة الإسلامية بالتي هي أحسن .
التي قدمت لعالم كله و للأمة المسلمة ، فقه السلم و الاعتدال والوسطية، و التي تفوقت بنبوغها العلمي وورعها وزهدها، على علماء الحرمين والأزهر الشريف ومدارس المذاهب الإسلامية الأربعة.
تلك التجربة الشنقيطية المعطاء، التي جربت أهليتها و ريادتها في مشارق الأرض ومغاربها .
عشرة قرون مزكاة أنتجنا خلالها، ألق المحظرة الشنقيطية، التي أنجبت آلاف العلماء الذين نشروا حضارة المحبة بلا إكراه، وبثوا قيم الأخوة بلا رشوة ولا قسوة.
فأصبح بلدنا بفضل مخرجاتها منذ قرون بلد عزة ورحمة.، يأرز إليه، طلبا للعلم حفظا ودراية، كل مسلم راشد، يرفع الأذان خمسا، ويعفر جبينه لله العلي العظيم سجودا وإنابة.
شروط النهضة وأسس التنمية الثلاثة هذه: حرياتنا الديمقراطية المصانة ، وأمن واستقرار بلدنا ومنطقتنا المنجز بعيوننا الساهرة، ونموذج تديننا المقدس، هي خطوط حمراء ، كل من يحاول الانتقاص منها، أو يضام في رؤيتها، كليل إلى العمى أقرب، ومجاهر بالسوء يدعو إلى ماض أفل نجمه و بز بزا.
كأن هذا المكذب الأبتر، في عميه لا يرى الحرائق المشتعلة من حوله في العالم وبحور دماء الأبرياء المتدفقة ، وهو في غيه أصيل في الانتماء إلى أنظمة أهلكتها السجون والمعتقلات.
تلك عروشها خاوية، بلا بواكي، وبلا فكر أحمر أو أخضر ، وبلا أفق للحل الأمثل.، وأصبحت محاصرة ب : كلا لا وزر
ولأننا مسلمون فان أهليتنا التاريخية، ومشروعية أولوياتنا المرحلية، تفرض علينا أن نغير من قواعد الاشتباك، ونرسو إلى بر الأمان.
وبر الأمان من العلمانيين والتكفيريين، أن نرضي الله في منشطنا ومكرهنا، وفي يسرنا وعسرنا، وان لا ننازع الأمر أهله، ما لم يكن هناك كفر بواح: " لكم من الله عليه برهان".
ومن بر الأمان منهم، أن نعيد للنهج المحظري عزته ومجده، ونحميه من تقارير غلاة العلمانيين سكارى الحانات ، ومن انتحال التكفيريين والمنافقين طلاب الامتيازات، ومن تأويلات الجاهلين،ممن يبيع دينه بمتاع قليل من المؤلفة قلوبهم، تعساء عبدة الوظائف والدينار والدرهم.
ومن بر الأمان منهم، أن نقدر علماء الخشية الربيين والقدوة الحسنة، الذين يبلغون رسالات الله، لا يخشون إلا الله، ولا يريدون إلا وجهه ، وأن لا نسمع فيهم غثاء "المكذبين أولى النعمة"، الذين أخبرت بصفاتهم،سورة لطالما رتلت في صلاة الفجر، هي سورة المزمل التي يعرفها المتحنثون بغار حراء، ويدرك فضلها القائمون بالأسحار.
ومن بر الأمان منهم، أن نسلم شأن التدبير الديني إلى من باستطاعتهم النأي بالبلد، عن حروب اللغو والاستهزاء، ويفصلون في الخصومات بين الأبرار والفجار.
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، واستحضار جلال الله وعظمته قبل الآزفة ، لا يلحنون أمام الحاكم أو القاضي ، بحجج واهية، يمكن أن تقتطع بالكذب مال أو عرض أو دم المسلم والمعاهد.
ومن بر الأمان منهم، أن يعلم القاصي والداني، أن رضا الله في إكرام جماعة المسجد، ورعاية طلبة المحاظر، وفي تعاهد التالين المتدبرين لكتاب قال عنه الله عزوجل: انه يهدي إلى صراط مستقيم .
ومن بر الأمان منهم الإعلاء من شهادات وتزكيات وروحانيات، كل عباد من عباد الله الصالحين ، دعا بصواب وإخلاص إلى دين الله القويم، سرا وجهرا، ساربا بالنهار ، أو مستخفيا بالسدس الأخير من الليل.، لا نكذبه، ولا نرهقه.
قال الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم في سورة المزمل:
’’وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا (12) ’’
وقال الإمام النووي:[... وفي الحديث : «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة العلم و حفظه وعدالة ناقليه وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفاً من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعد فلا يضيع وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر وهكذا وقع ولله الحمد وهذا من أعلام النبوة ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئاً من العلم فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئاً منه والله أعلم] تهذيب الأسماء واللغات 1/17
وفي السنة عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بعثت بين يدي الساعة مع السيف ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم"
أخرجه أبو داود.