زووم الصحراء.. هزات تمرد فاغنر الارتدادية..هل تصل افريقيا..؟

المصدر: الصحراء

غريبا بدأ وأغرب من ذلك انتهى، عن تمرد فاغنر الذي هز العالم وتابع تفاصيله كفيلم هولييدي نتحدث.

 

الكثير من الأسئلة ما زالت معلقة، وأغلب الأجوبة المقدمة حتى الآن غير مقنعة، وإن كان الكل متفق على أن ما قبل التمرد ليس مثل ما بعده، وأن التداعيات على روسيا والعالم ستكون كبيرة مهما حاول القيصر الجريح افلاديمير بوتين تضميد الجرح والاستفادة من خبراته في المصارعة للنهوض سريعا؛ والظهور كأن لم يصرع في مقتل حين ارتد عليه طباخه متمردا يسير بسرعة جنونية ليسقط قيادة جيشه وأركانه ووزير دفاعه. 

 

في زوم الصحراء هذا الأسبوع نتتبع القصة بعيدا عن باخموت وموسكو وروستوف؛ حيث دارت وقائع الأسبوع الماضي، بل من هنا من منطقة الساحل وجنوب الصحراء حيث فاغنر فاعل رئيسي في الحكم والميدان في السلطة والثروة؛ نضيف للأسئلة التي تبحث عن حل أسئلة عن الهزات الارتدادية للتمرد هناك على المقياس هنا، ونستشرف وفق المتاح من معطيات والراجح من سيناريوهات مستقبل رجال ابريميجوف في المنطقة، وتأثيرات ذلك على موريتانيا في أشهر تتداخل فيها استحقاقات مناخية وأمنية وسياسية. 

 

فاغنر..مركب بوتين إلى القيصرة 

في تاريخ روسيا البعيد والقريب الكثير من المحطات المثيرة التي تشبه ما حصل خلال الأسبوع الماضي.

من الأحداث التي مهدت للثورة البلشفية؛ لتلك التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي؛ وفي شخصية ضابط الاستخبارات والمصارع العنيد افلاديمير بوتين الكثير من مواصفات القياصرة: 

✔️ فهو مؤمن بأن روسيا لا يليق بها أن تكون مجرد دولة يقتصر نفوذها على حدودها وفي محيطه؛ بل يراها قوة عظمى وجدت لتكون قوة عالمية مرهوبة الجناب.

✔️ وهو معني ببعث الأمجاد الإستراتيجية، ومؤمن أن ذلك ممكن، وقد حقق خلال العقدين الماضيين انجازات جعلت حلمه يبدو قاب قوسين أو أدنى، مما عزز شعبيته في الداخل الروسي؛ وفتح له الكثير من الأبواب في خارج يعج بالمتمردين على هيمنة القطب الأوحد الذي أسسه الأمريكيون؛ ومن يدور في فلكهم من من يعتبرون سيطرة النموذج الغربي نهاية التاريخ. 

 

التوغل في إفريقيا..

بدأت الشركة الأمنية الخاصة التي أسسها طباخ بوتين رحلة التمكين للحلم القيصري قبل زهاء عقد من الزمن:

✅ فكانت حاضرة بقوة في الاستيلاء على جمهورية القرم بأوكرانيا عام 2014.

✅ وظهرت أكثر ما ظهرت في سوريا معلنة عن طور من الطموح الروسي للذهاب بعيدا في كسر قواعد الاشتباك الإستراتيجية التي وضعت على وقع انهيار جدار برلين.

✅ ومن سوريا والقرم وصلت القوات التي ظلت تعمل خارج القوانين -بما فيها القوانين الروسية- إلى افريقيا في لحظة استراتجية فارقة:

☑️ فشعوب القارة تعيش حالة من التمرد غير المسبوقة على تحالف حكام الدول "الوطنية" ونفوذ القوى الاستعمارية.

☑️ وثورات الربيع بنسختيه العربية والافريقية تطيح بأعتى حكام جنوب الصحراء والساحل (معمر القذافي وابليز كامباوري)، مخلفة شعوبا عاشت عقودا تحت الحكم الأحادي تبحث عن مستقبلها في صحاري سياسية قاحلة من النخب القادرة على إدارة الانتقال.

☑️ وهكذا وجدت فاغنر فراغا فتسللت وأحكمت قبضتها أو كادت في كل من وسط إفريقيا وليبيا ومالي وبوركينا افاسو، والسودان وهي تطرق أبواب كل من اتشاد وموريتانيا والسنغال. 

 

هزات الزلزال الارتدادية..

في مركز الزلزال بأوكرانيا هناك الكثير من التفاصيل التي ما زالت غائبة لكن الواضح أن السبب المباشر هو قوة التصادم بين نفوذ فاغنر والجيش النظامي الروسي، أما غير الواضح فهو كيف وصلت الهزات الارتدادية هنا، وماهي قوتها على مقاييس الصحراء والساحل.

مع أن بوتين يحاول إخفاء آثار الضربة بل ويحاول تحويلها لنقطة قوة من خلال مركزة عمل فاغنير، وجعلها قوة تابعة للجيش الروسي، وهو ما تتحدث تقارير عن تحققه في مناطق مهمة في أوكرانيا وسوريا بيد أن :

✔️ أغلب المراقبين يرجحون أن لا تتم عملية الاندماج بيسر خصوصا في ظل الغموض الذي ما زال يكتنف الاتفاق الذي تم برعاية الرئيس البيلاروسي.

✔️ الظاهر أن الوجود في إفريقيا يكتسي أهمية اقتصادية كبرى ففاغنر وضعت أيديها على آبار النفط والذهب والكثير من مصادر الثروة في البلدان الافريقية التي دخلتها.

✔️ وفاغنير محل ترحيب كبير من الأنظمة والمجموعات التي تحتضنها في افريقيا، فهي الحصن المنيع لهذه الأنظمة والمجموعات من المستعمر السابق والخصوم الداخليين على حد سواء. 

 

من هنا نرجح..

وبناء على كل ما سبق نرجح أن :

✅ التداعيات على إفريقيا لن تكون كبيرة فموسكو المثقلة بجراح التمرد، ستعمل المستحيل لتبقي على السند الإفريقي ذي الدلالة الإستراتيجية النوعية لتظهر أن المشكل موضعي يتعلق بأوكرانيا وإدارة المعارك فيها.

✅ وستكون قمة سان بطرسبيرغ نهاية الشهر القادم الامتحان الفعلي لقدرة الكرملين على حصر تداعيات الزلزال في المحيطات القريبة.

✅ كما سيكون الاهتمام الروسي بالتحولات السياسية المرتقبة في كل من موريتانيا والسنغال خلال العام القادم (2024) محددا لمعرفة إن كان الزلزال جعل بوتين يكتفي من الغنيمة الافريقية بتثبيت المراكز التي دخلها في مرحلة ما قبل التمرد، أم أنه ماض في السعي لتحقيق أحد أهم أهداف الحلم؛ بسط النفوذ على دولة مطلة على المحيط الأطلسي ليوصل لواشنطن رسائله الاستراتيجية من النقطة الأقرب عبر الأطلسي.

خميس, 29/06/2023 - 15:54