ندرة الحيوانات المائية في الحكاية الشعبية الموريتانية :
الدارس لما تم جمعه حاليا من الحكايات الشعبية الموريتانية سيلاحظ أن الكائنات البحرية تكاد تنعدم في بنيتها، ورغم امتلاك موريتانيا لشاطئ يمتد على طول 720 كلم من المحيط الأطلسي، وإطلالتها الكبيرة على ضفة نهر السنغال، فإن عالم البحر لا يشكل مادة خصبة لمؤلفي الحكايات، ذلك أنه يحضر غالبا كعالم غامض، عجائبي، يتم استحضاره في ثنايا بعض حكايات الإنسان باعتباره مكانا موازيا للبر والسماء، بينما لا تشكل كائناته إغراء حكائيا .
ومن المفارقة أن مساهمة منطقة (نوامغار) - وهي منطقة بحرية وكل نشاطات ساكنتها مرتبطة بالبحر- في كتاب (الحكايات والأساطير الموريتانية - حكايات الحيوان) لا تتضمن أي حكاية تتخذ من البحر فضاء ولا من كائناته مادة للحكي والقص .
ويمكننا تصنيف الكائنات البحرية إلى جانب الحيوانات التي لا دم فيها، باعتبارهما نادرين في الحكاية الشعبية الموريتانية .
ومع ذلك نجد حكايات قليلة جدا تبرز فيها بعض الحيوانات المائية، والبرمائية، خاصة النهرية منها وتلك التي تعيش في الترعات والمستنقعات العذبة، كالتمساح، وفرس النهر والضفدع.
وأغلب هذه الحكايات تصنف ضمن حكايات الإنسان وليس الحيوان، وذلك لأن مدار الحكمة منها عقل الإنسان مقابل همجية الحيوان ووحشيته .
ويمكن أن نمثل لذلك بحكايتي ( مزرعة الفيل والتمساح والأرنب) و (ديلول وتمساح الترعة).
تقول الحكاية الأخيرة : " إن ديلول الحكيم نزل بإبله مرة في بلاد النهر، وكانت إبله عطاشا، والحر شديد، فذهب بإبله يسقيها من الترعة، وكان كلما أوردها وأدلت إحداها فمها في الماء جذبها التمساح إلى القاع .
ارتحل ديلول بإبله وحلف على الثأر من هذا الحيوان وأخذ حوارا (فصيلا) أبلق ظاءر عليه ناقتين كريمتين حتى عوده، وأصبح جملا عظيما يتقدم الإبل، وانتظر حتى حان ورود الإبل فساقها إلى الترعة والجمل يتقدمها، وما إن كرع في الترعة حتى أمسك به التمساح، فرفعه ورماه على حافة الترعة وقد انشطر نصفين، واندق عنق الجمل وأمنت الترعة .
فلما رآه ديلول قال : لن أقيم في هذه الأرض التي تأكل أورالها الإبل" .
إن هذه الحكاية تدخل في سياق إظهار حكمة ديلول وخبرته في الإبل، فهو شخصية بدوية موريتانية تمت أسطرتها شعبيا، وأصبحت رمزا للحكمة والعقل، لدرجة أن بعض الحكايات تدور بينه وبين بناته اللائي ورثن العقل والفطنة منه .
وتقابله شعبيا شخصية (تيبه) وهي سيدة ترمز للغباء والسذاجة.
ويعتبر ديلول مرجعا في معرفة الإبل وكل ما يرتبط بها من آلة ومرض وصحة وطباع، وهذه الرمزية، فرضت اقتران اسمه بالحكمة، بحيث لا يذكر إلا باسم (ديلول الحكيم).
كما جعلت منه رمزا فنيا حاضرا في الشعر الموريتاني المعاصر، للتعبير عن الحكمة وسداد الرأي.