القصدية عند سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم :

الشيخ معاذ سيدي عبد الله

في محاولة منه لتحليل العلاقة بين الوزن والشعر، ينطلق سيدي عبد الله من خلفية غاية في الدقة، حيث الوزن ليس هو ما يجعل من الكلام شعرا، وإلا اعتبر السجع والانسجام، وبعض سور القرآن أشعارا، مما يعني أن مفهوم (القصدية) هو المحدد الأول للشعر .
يقول : " الانسجام في اصطلاح أهل البديع، أن يبلغ الكلام في الفصاحة والسهولة مبلغا، يكون فيه موزونا من غير قصد المتكلم، بوزن من الأوزان العربية، التي هي خمسة عشر بحرا على مذهب الخليل، أو ستة عشر بزيادة المتدارك على مذهب الأخفش، ويسمى المتدارك بالخبب محركة .
كتب بعضهم في عنوان كتاب : (للأمير المسيب بن زهير بن عقال بن شيبة بن عقال)، فاتفق هذا الوزن الذي هو الخفيف، وعُدّ آباء رجل يوما، فجاء في ذلك بيت من بحر الطويل، وهو (عباد بن زيد بن الحليس بن جابر بن زيد بن منصور بن عمر بن حابس) ووقع في القرآن كل بحر من هذا القبيل، ولا يسمى شعرا، إذ الشعر كلام وُزن على قصد بوزن عربي، والانسجام الوزن فيه غير مقصود" .
والحقيقة أن هذه الإشكالية، شكلت ثورة في تاريخ النقد العربي، لدرجة جعلت كبار النقاد والبلاغيين العرب، يشككون في نسبة بعض النصوص إلى الشعر، مثل ما حدث مع قصيدة عبيد بن الأبرص (أقفر من أهله ملحوب) .
بل إن القصدية منحت النقاد القدامى مخرجا، من إشكالية الخلط بين القرآن والشعر، فلم يعد هذا الأخير "قولاً موزوناً مقفّى يدلّ على معنى"، وإنما أضحى ملزما بالنية والقصد، وهذا ما أشار إليه ابن رشيق بقوله : "الشعر يقوم بعد النيّة على أربعة أشياء وهي اللفظ والوزن والمعنى والقافية. فهذا هو حدّ الشعر، لأنّ من الكلام موزوناً مقفّى وليس بشعر، لعدم القصد والنيّة، كأشياء اتَّزنت من القرآن ومن كلام النبيّ...".
الشعر والفقه - ص 150

ثلاثاء, 03/10/2023 - 14:15