لم يكن فوزه مفاجئا فقد كانت استطلاعات الرأي ترجحه منذ فترته؛ لكن أن يكون الفوز من الشوط الأول وبنسبة مرتفعة؛ فتلك المفاجأة التي تحمل عدة دلالات في السياق السنغالي وبالضرورة في المحيط الإقليمي والقاري.
بصيرو افاي مرشح (اباستيف) إذا هو الرئيس الخامس للجمهورية السنغالية خلفا لماكي صال الذي فشل في مجرد ايصال مرشحه آمدو باه للشوط الثاني.
حصاد مسار مدافعة ساخن..
مرت انتخابات الرابع والعشرين مارس هادئة، لكن الأسابيع والأشهر التي سبقت ذلك لم تكن كذلك:
✔️ فقد عرفت الكثير من الاحتجاجات والمواجهات المتقطعة على مدار السنوات الماضية تقدر منظمات حقوقية عدد ضحاياها بالمئات.
✔️ وعرفت مرافعات أمام القضاء توجت بأحكام إدانة في حق الرئيس المنتخب وحليفه ومرجعيته عثمان سونكو؛ فقد خرج الاثنان للتو من السجن بعد عفو برلماني كان من مخرجات حوار سياسي كانا أبرز الغائبين عنه.
✔️ وسبقته أزمة سياسية حادة بين المؤسسات الدستورية قرر فيها الرئيس؛ والجمعية الوطنية تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة أصلا في الخامس والعشرين من شهر فبراير، قبل أن يلغي المجلس الدستوري قرارهما؛ ويلزم الرئيس بتنظيم انتخابات قبل نهاية مأموريته في الثاني من ابريل القادم.
من هو الرئيس الجديد..؟
ينتمي الرئيس الجديد لقومية سرير وهو من مواليد سنة 1980، وهو رفيق درب عثمان سونكو، ويتقاسم معه نفس منطقة الميلاد (تيس)، ونفس الخلفية الأكاديمية (متريز في القانون وخريج المدرسة الوطنية للإدارة)، ونفس المهنة (مفتش ضرائب)، ونفس التطلعات الوطنية.
وتمتد أوجه التشابه بين الاثنين إلى أبعاد أخرى كالالتزام الديني والاهتمام بالرياضة، وقد دأبت جهات غربية متابعة للشأن السياسي السنغالي على وصفه بمرشح الإسلام السياسي في السنغال، تأسيسا على المعروف عنه وحليفه سونكو من انخراط في التنظيمات الاسلامية المقربة من عباد الرحمن في المرحلة الجامعية.
الرئيس السينغالي الجديد تعرف على سونكو أثناء مساره المهني، وشكلا سنة 2014 حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال للعمل والأخلاق والأخوة (باستيف)، وهو تحالف واسع؛ ليس له ناظم إيديولوجي سوى فكرة تحرير السنغال من الهيمنة والتبعية والفساد وفق أدبياتهم التي عرفت انتشارا واسعا في السنغال خلال الأشهر الأخيرة.
على طاولة الرئيس الخامس
خلال أيام سيكون على بصيرو وحليفه سونكو مواجهة قضايا الحكم في بلد يعرف مستوى نمو ديمغرافي مرتفع، ويعاني شبابه من ظروف صعبة جعلته من أكثر شباب بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ركوبا لقوارب الموت بحثا عن حياة أفضل.
مستوى الأمل في جدية التغيير الذي تجسده المكنسة التي رفعها الرئيس الجديد في حملته الانتخابية هو أكبر التحديات أمام القادم الجديد لقصر الحكم في دكار حيث تنتظره:
✔️ وعود الخروج من عملة "السي فا" التي ينظر لها في السنغال وفي عدد من البلدان الأخرى باعتبارها عبئا اقتصاديا وعنوان تبعية وارتهان لفرنسا.
✔️ محاربة للفساد وكنسا له؛ وتوجيه ثروات البلد لمشاريع تحفظ للشباب كرامته وتعينه على البقاء في بلده بمنأي عن مخاطر الأمواج ومجابات الصحراء.
✔️ مراجعة للسياسات الثقافية في أفق انفتاح أكبر على الإنجليزية؛ بعد عقود طويلة من ارتهان شبه مطلق للفرنسية (شهدت الفترة الأخيرة من حكم واد وفترة حكم ماكي صال انفتاحا متزايدا على اللغة العربية وتمكينا لخريجيها من الولوج لمختلف المؤسسات).
✔️ وسيكون ملف العلاقة مع ما بات يعرف بدول "المحور الروسي" من الملفات التي سينظر إلى طريقة تدبير بصيرو لها، والراجح أنه سيغير زاوية المقاربة عن ماكانت عليه في عهد صال لكنه لن يكون جزءا من الحلف الموالي لموسكو.
العلاقة مع موريتانيا..
ويبقى ملف العلاقة مع الجار الشمالي موريتانيا أهم الملفات وأكثرها حساسية.
وهنا نجد أنفسنا أمام سيناريوهين:
☑️ سيناريو التصعيد وإعادة طرح ملفات الأحواض الناضبة والشراكة في الغاز، وهو ما تحدث عنه سونكو في خرجات له قبل خمس سنوات عاد وعدل فيها وتراجع عن بعضها.
☑️ سيناريو التهدئة وتغليب منطق حسن الجوار واستحضار عمق الوشائج وقوة المصالح المشتركة.
والراجح أن نواكشوط ستراقب سلوك الحكم الجديد لتحدد على أساسه طبيعة العلاقة.
ويرجح عارفون بمسار علاقات البلدين أن ترجح الكفة لصالح استمرار العلاقة على وتيرتها الاعتيادية منذ استئناف العلاقات بين البلدين منتصف تسعينات القرن الماضي.