الضامنون للاتفاق.. من يضمنهم

اسيا العتروس

لم تستمر فرحة أهالي غزة و اطفالها طويلا بزوال المحنة و ايقاف الحرب  بعد اعلان حماس قبول اتفاق الهدنة اوما بات يعرف بالمقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار…و سرعان ما ازداد القصف الاسرائيلي كثافة على القطاع لتقتحم دبابات الاحتلال مدخل رفع و تزيل الاعلام الفلسطينية و تستبدلها برايات الاحتلال بعد اعلان مجلس الحرب الاسرائيلي رفضه للمبادرة التي اعتبر انها مجحفة و لا تلبي شروط اسرائيل ..من الواضح ان ناتنياهو لا يريد انهاء الحرب الضامن الوحيد لبقاءه السياسي …
وسواء كانت حماس تناور او سواء كانت تبحث عن اختراق  لربح بعض الوقت  او سواء كانت جادة في رغبتها انهاء الحرب فقد كان قرارها مفاجئا لكيان الاحتلال الذي يبدو انه لم يتوقع قبول الحركة بالهدنة التي يتم تدوالها من شهر مارس الماضي على وقع الجولات المكوكية لمسؤولي الاستخبارات الامريكية و الاسرائيلية و المصرية من باريس الى الدوحة و قطر ..لاسيما وقد استبقت واشنطن اعلان حماس بتحميل الحركة مسؤولية الفشل في التوصل الى الهدنة ووقوفها حاجزا أمام أي تقدم باتجاه تحريرالرهائن و ايقاف الحرب …لا خلاف أن قرار حماس سيحرج الادارة الامريكية و معها حلفاء الاحتلال و لكنه قد لا يحرك لناتنياهو ساكنا طالما أنه يتبنى العقيدة الصهيونية بان القضاء على الفلسطينيين مهمة الاهية لا تقبل المزايدات و هو يجد في دعم و احتضان الادارات الامريكية المتعاقبة الحصانة لمواصلة طريق الدم ..
نقول هذا الكلام و في قناعتنا أنه حتى لو رضخ ناتنياهو و قبل بالاتفاق الذي نشرت تفاصيله لا يمكن أن يجد له موقعا على الارض طالما انه غير ملزم لكيان الاحتلال لعدة اعتبارات ..و بعيدا عن الوقوع في تفاصيل الاتفاق الذي لم يتضمن اشارة واحدة للاحتلال الاسرائيلي  يكفي التطلع الى اخر سطر فيه حيث يشار الى ان مصر و قطر و الامم المتحدة و امريكا هي الضامنة له .. و في ذلك ما يؤكد ان ماله قد لا يختلف عما سبق من اتفاقات بعد كل عدوان اسرائيلي على غزة و انه لا شيء يمكن ان يمنع هذا الاحتلال الغاشم من تكرار و مواصلة مجازره و اعادة هدم و تدمير ما يتم اعماره او بناؤه ..
وفي انتظار ما ستؤول اليه تطورات الاحداث بعد رفض ناتنياهو أمر الهدنة و اصراره على مواصلة العملية العسكرية لاجتياح مدينة رفح متجاهلا كل الاصوات و النداءات الاممية والاوروبية الحقوقية والانسانية و ذلك بالتزامن مع دخول حرب الابادة في غزة شهرها الثامن على التوالي و مع تحول القطاع الى مدينة للموت أمام  جيوش الضحايا من نساء و اطفال و شيوخ وأمام حجم الدمار و الخراب الذي قد يستوجب حسب الامم المتحدة عقودا لاعادة اعمار و بناء ما تهدم …تبقى صرخات اهالي غزة التائهين  بعد تحذيرات مناشير الاحتلال للاهالي بالمغادرة  فورا سيد المشهد في مسرح الاحداث حيث لا مكان امن يلجأون اليه …
وكأن سبعة أشهر من القصف و الاجتياحات اليومية لا تكف الاحتلال ليقرر المضي قدما في اجتياح رفح المدينة المزحمة باكثر من  مليون ساكن  ..
و الحقيقة أنه لا يمكن الا لساذج او واهم ان يتوقع من ناتنياهو رئيس وزراء كيان الاحتلال و شركاءه بن غفير و غالانت القبول باي هدنة تدفع الى ايقاف الحرب … ولاشك ان ناتنياهو الذي استحق لقب مجرم الحرب اخر من يتطلع الى أي هدنة مهما استجابت لشروط حكومته اليمينية المتطرفة , بل الاكيد أن ناتنياهو اكثر الحالمين باطالة أمد الحرب حتى و ان استمرت الى حين انتهاء ولايته في 2027 اذا تمكن من البقاء في السلطة …فليس سرا ان ناتنياهو يدرك جيدا انه اول الملاحقين من الراي العام الاسرائيلي الذي يحمله الفشل  الاستخباراتي في استباق عملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر الماضي و الذي بات يطالب بالتحقيق في ملابسات ما حدث و محاسبة المسؤولين العسكريين لا سيما بعد استقالة رئيس المخابرات الاسرائيلية قبل اسابيع على خلفية عملية السابع من اكتوبر و يطالب ايضا بالتوازي مع ذلك في محاسبة ناتنياهو بسبب الفشل في استعادة الرهائن الاسرائيليين كما سبق و اعلن ذلك …
أما في الخارج فان الواضح ان ناتنياهو بدأ ينتبه للتسريبات المتواترة من اروقة الجنائية الدولية و الاستعداد الجنائية الدولية لاصدار بطاقات ايداع في حقه و حق شركاءه في جرائم  الحرب في غزة ..
الامر الذي دفعه الى الاستنفار و دعوة سفارات كيان الاحتلال  الى التحرك على كل الجبهات لمنع هذا الامر ..و يبدو أن ناتنياهو يحاول دفع الرئيس الامريكي جو بايدن الى الضغط في هذا الاتجاه لانقاذه من ملاحقة الجنائية الدولية ..و قد هدد عدد من النواب الامريكيين  بفرض عقوبات على كريم خان المدعي العام للجنائية الدولية لدفعه للتخلي عن هذه الخطوة ..
و لا تتوقف محاولات الانقاذ الامريكي عند هذا الحد فقد هددت الادارة الامريكية ايضا الامم المتحدة بتجفيف منابعها و حرمانها من التمويلات في حال اتجهت في لقاء الجمعية العامة بعد غد الجمعة الى اعلان الدولة الفلسطينية كخطوة نحو انهاء الصراع في الشرق الاوسط …
حتى هذه المرحلة يصر ناتنياهو على المضي قدما في خيار الحرب معتقدا انه بذلك يمنح نفسه حصانة لم تعد مضمونة بعد فشله في تحقيق اهدافه العسكرية رغم التفوق العسكري  و الدعم الذي يحظى به ….

نقلا عن رأي اليوم 

أربعاء, 08/05/2024 - 12:57