صباح الخير يا وطن!

خالد الفاظل

بالأمس داخل سيارة الأجرة؛ تشاجرت سيدتان على المقعد الأمامي قرب السائق، قالت إحداهما للأخرى بأنها سمينة جدا وستضايقها والمكان لا يتسع. غضبت السيدة الأخرى وقالت لها بأنها لا تطعمها ولا تسقيها. وهنا تدخل السائق النحيف الذي كان يرتدي دراعة من الشگة من دون قميص وقال لهما حاولا أن تصبرا لابد لي من الأجرة ثم أغلق الدفة عليهم حتى اختلطت أصواتها بأنين ماكينة السيارة، أصوات جعلت المشهد دارميا لحد بعيد. بينما كان الرجل صاحب اللحية والثياب الزرقاء الأنيقة الجالس بقربي؛ يحاول بخفة دم استغلال الشجار ليصنع محادثة موازية مع السيدة التي تجلس قرب مبدل السرعات(الفيتيس)؛ عندما أخذت تشتم التاكسيات وتثني على عبد الرحمن؛ تقصد الباص القديم…

 

في ذلك الوضع المتلاحم الذي ذكرني ببرنامج إذاعي قديم يدعى (صباح الخير يا وطن)، كان مقدمه يكرر على مسامع المواطنين الذين بدأوا لتوهم يوما جديدا من خلال صنع الشاي والابتهاج:

 

- وضمة القبر تنسي ليلة العرس

 

في الجهة المقابلة خلف مرآة السيارة؛ كانت خيم الحملات الانتخابية تصطف على جنبات الطريق بشكل متقطع للغاية وباهت. كانت أبواقها تصنع ضوضاء لقيطة تذوب أصداؤها في المنبهات التي لا تتوقف عن التزمير المزعج. وكانت الرياح تجعل صور المترشحين المعلقة تتمايل مثل أغصان الأشجار في عواصف يوليو، بينما كان الباعة المتجولون يحشرون بضاعتهم داخل السيارة وتكاد أن ترتطم بوجوهنا المندسة في الخلف. أحدهم يقول البسكويت، وأنا لا أتذكر بالضبط آخر مرة أكلت فيها البسكويت، لكنني وبطريقة ما تذكرت (گويطة) وكيف ساهمت في أفراح الطفولة، تذكرت أيضا بسكويت الدستور التي كنا نستمتع بأكلها أيضا، ولم نكن وحدنا في ذلك، إضافة لحلوى (مص وأرگص)…

 

في غمرة تزاحم المناكب كان هناك رجل عن يساري يسأل الباعة المتجولين عن ظواية صغيرة للبيع؛ ليشتريها. كان يريد مصباحا والأفق أمامنا بدا معتما خلف زجاج السيارة التي أخذت تصعد وتنحدر مع التلال..

 

وفي جانب الطريق ظهرت صورة المرشح سوماري، وتخيلت أنني مسافر نحو كوناكري. لكنني أدركت أن سفرا سعيدا نحو كوناكري مع رجل يجيد الرقص والتطبيب والتدريس وناجح في حياته المهنية ويتكلم بكل ألسنة الوطن؛ لربما يكون من أفضل الأشياء التي نبدأ بها السنوات الخمس القادمة…

 

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

سبت, 22/06/2024 - 12:11