المبدعون لا يرحلون؛ إنما يتظاهرون بذلك!!

أقريني أمينوه

تحوم حولي بكل أنس ممكن؛ أرواح الرعيل الأول ممن شهدوا "بدرا" في التلفزيون الموريتاني.. ابتسامة العميد أعمر ولد بوحبيني (رحمة الله على روحه) تمنحني قوة غير مرئية للمواصلة.
 استحضر بذاكرة يافع يُتابع باهتمام وإعجاب موسوعية الفتى الذي بهر الموريتانيين في رمضان ذلك العام البعيد؛ حيث كانت الخيمة الرمضانية درسا جميلا ورائقا في العقيدة والعبادة وسلوك المؤمن وصحة بدنه وروحه.
ينتقل الراحل بخفة فنان ورزانة عالم موسوعي بين ضيفيه بكل لطف ممكن؛ دون أن ينسى خصوصيات مشاهديه؛ فيقطف لهم قطوفا دانية. من أدب الصيام ما يُنسيهم عطش صيام يومهم الطويل في بيئة صحراوية.
وحين أهم بالخروج من الاستديو العتيق تقفز إلي ذهني صورة أجمل من قدم من نشرة بشكل مهني واحترافي في التلفزيون أيام كانت الشاشة الوحيدة في بلد أصبحت تتزاحم في سماواته وجوه مقدمين على أكثر من 10 قنوات لا يمكن أن تتذكر اسم برنامج تلفزيوني واحد فيها!!
في الجوار تشعر بروح الصحفي والأديب والإنسان عبد الله محمود جبريل با؛ الذي آثر أن يُقدم نشرته وللمرة الأخيرة في حياته وودعنا بوقار قاض وابتسامة خال مُحب وغاب عن دنيا الدنيا هذه؛ تاركا جمهوره العريض في صدمة كبيرة ... رحمة الله على من آمن بقدسية عمله وقدمه بثقة رئيس يُخاطب أمته.
وهنا في قسم المونتاج؛ كان الطيب يمنح الفني الرائع حقا محمد ولد عالي عالي لكل صحفي مادته بلطف صوفي وبجودة تُضاهي إتقان مواد BBC
وفي ممرات التلفزيون تنطق الجدران حنينا لذكريات لفرسان كلمة وصناع مجد رحلوا بصمت؛ لكن مازالت ذاكرة زملائهم مترعة بجميل صنيعهم وأرواحهم التي تُؤلف وتُحب وتعيش في الوجدان الوطني كي لا يطالها النسيان. 
شكرا لمن خلد ذكراهم بإطلاق أسمائهم على استديوهات ومكاتب التلفزيون؛ والشكر لمن اهتم بعائلاتهم وأصدقائهم وتلامذتهم في المؤسسة.
رحمة الله عليهم جميعا؛ وأطال الله أعمار ذلك الجيل الذي مازال يخدم بشغف في مؤسسات الإعلام العمومي الموريتاني.
 

ثلاثاء, 28/01/2025 - 12:07