منذ استقلالها؛ خاضت موريتانيا حربا واحدة، وكانت ضد الصحراء الغربية. قاتل بيظان موريتانيا جنبا إلى جنب مع إخوتهم في الوطن من الزنوج، قاتلوا أبناء عمومتهم من بيظان الصحراء. وبعد هذا يُقال إن البيظان لا يؤمنون بالوطن الجامع وبأنهم عنصريون؟
يقال إيضا إن البيظان وافدون جدد وأقلية كما يروج البعض في الفضاء الفرانكفوني وهي ادعاءات تحريضية تزرع ربما انطباعا خاطئا لدى العابرين نحو أوروبا أو المقيمين داخل موريتانيا من أجل فرص حياة أفضل! والحقيقة أن سكنهم لموريتانيا، أي البيظان؛ بدأ قبل ميلاد المسيح عليه السلام ثم تواصل حتى قرون متأخرة. والجملُ المرتبط بترحال البيظان وصل هنا قبل دخول الإسلام بعدة قرون..
يقال إن البيظان عنصريون واقصائيون! وهناك قبيلة تعد من أكبر قبائل البيظان ومتعلمة، عين منهم قبل سنوات وزير في الحكومة، أصبح يقال له الوزير الأول، لأنه فعلا كان الوزير الأول من تلك القبيلة…
يقال إن البيظان إقصائيون؟ ولغتهم الرسمية في دستور البلاد، لا تكاد تُرى في وثائق ومراسلات مؤسسات الدولة ويتجنبون الحديث في الموضوع، حتى لا يكسروا خاطر الزنوج ويشعرونهم بالغبن!
يقال إن البيظان ينهبون خيرات البلاد، وهم أكثر مكونة في البلد هجرة طلبا لحياة أفضل. دكاكينهم منتشرة في إفريقيا وجل شبابهم بين أمريكا والخليج، وفي التجارة داخل البلاد بلغوا من التيفي ما بلغوا..
يقال إن البيظان يستفردون بالوظائف، والحقيقة أن هذا لم يحدث حتى انتشر التعليم العصري في هذه الشريحة بداية التسعينيات وهلم جرا، وذلك نظرا لحضورهم الديمغرافي الكبير، فمن الطبيعي أن يتكاثروا في المسابقات والوظائف!
يقال إن البيظان عنصريون! وهم أكثر الشعوب انفتاحا على الآخر ومن سافر يعرف ذلك جيدا. حتى أنك تجد أسرة من البيظان تتكلم بلغة العامل المنزلي البسيط ليندمجوا معه وليس العكس!
لا تخلطوا بين النظام الذي يمثل الجميع بكل أخطائه، وبين شريحة تعد جزءا من هذا الشعب وتستحق الاحترام كباقي الشرائح، وجذورها ممتدة في تاريخ البلد. وليسوا وافدين جدد وليس أقلية أيضا كما يشاع. وفيهم من الفقراء الكثير ومن المغبونين والمهمشين الكثير، كم هو أيضا حال بقية الشرائح…
قال لك اليمين البيظاني المتطرف!
لنحترم بعضا البعض أولا؛ ونتوقف عن التحريض سواء ضد البيظان الموريتانيين أو الزنوج الموريتانيين. ولتعلموا بأن التحديات كبيرة جدا والأخطار محدقة، وهناك فرق كبير ما بين الوطن والنظام، وما بين الدولة والحكومة! وبأن عمقنا المغاربي والإفريقي جزء من هويتنا الثابتة. وهذا وطننا أو المتاح لنا حاليا في لعبة الأمم المتغيرة والخبيثة والكبيرة والتي تسحق الضعفاء والمتفرقين تحت أقدامها، وتوهمهم بالشعارات الزائفة كطعم لا أكثر ولا أقل. يجب بأن نصلح وطننا ونتناقش بكل صراحة وتقدير. وكل دعوة إقصائية أيا كانت مبرراتها ومسوغاتها، فلا شك أنها تضر الجميع. هذه الجمهورية الإسلامية الموريتانية وليست للبيظان وحدهم ولن تكون طبعا، لكنهم وهذه الحقيقة، يشكلون جغرافيا ثم ديمغرافيا أكبر ملمح من هويتها، ونواتها الصلبة…
أقول للبيظان الدخن في صفوف الشعب؛ تبرأوا من الذين يفسدون منكم ويشترون المنازل في الخارج ويتعالجون في الخارج ويشوهون صورتكم حاولوا الإصلاح قبل فوات الأوان.
أقول للبيظان من الحراطين، من حقكم المطالبة بحقوقكم وبالمساواة في الفرص والتمييز الايجابي لمن عانى منكم من تركة الرق الثقيلة. لكن لا تنسوا بأنكم بيظان في نهاية المطاف، وتركبون سفينة موريتانيا فلا تتركوا متطرفيكم أيا كانوا، يسحبونكم نحو عداوات وهمية. ولا تتركوا بدوركم مفسديكم في النظام، يرفلون في البذخ على حسابكم..
أقول للزنوج من حقكم المحافظة على خصوصيتكم، ومن حقكم تقاسم كل شي مع البيظان. لكن لا تنسوا بأنكم جزء من هذا الوطن بايجابياته وعيوبه، ولن تجدوا جارا ولا حتى شريكا في الوطن أفضل من البيظان، وما أفسدته السياسية يمكن أنه تصلحه السياسة والبيطان ليسوا أقلية..
وأقول لكل الشرائح بتشعباتهم، العالم تغير والضعفاء فيه عليهم أن يكونوا حكماء حتى لا تجرفهم مصالح الأمم نحو آلام كانت مخبأة خلف الأوهام…
السودان، ليبيا، مالي. إن لغة العنف والحروب والتحريض لا تحل المشاكل. إن السلام يظل أفضل وقت للنقاش وتبادل الأفكار..
في موريتانيا؛ عدونا الأول والأخير هو الفساد، وكل الخلافات الأخرى تستوعبها السياسة والنقاش والاحترام..
كبيظاني، فإنني اتبرأ من "اليمين البيظاني المتطرف"، وعلى بقية الشرائح أن تتبرأ بدورها من اليمين المتطرف داخلها..
أما الهجرة فهي تحدي، لكن لا تتركوا العابرين نحو أحلامهم في العيش، يجعلونكم عابرين مثلهم، ليس نحو الأحلام بل نحو اللجوء. ولا تضخموا الإجراءات القانونية وتضعونها في سياقات عنصرية وتنفخوا في النار..