العبرانييون والسامييون والحقيقة التاريخية

فؤاد البطاينة

أتأسف من القارئ لخلو جعبتي إزاء التطورات الرهيبة في غزة  بوجود 55 دولة عربية واسلامية. حيث لا حل أراه لأزمتنا  الا بتوسيع المقاومة  على مساحة العالم  الصامت على ما يجري. فالمقاومة ليست للدول، ووحدها القادرة على نزع قدرة العدو على استخدام تفوقه العسكري، هي حرب عصابات مستمرة لانهاك العدو واستسلامه. وغزة بالنسبة للإحتلال دولة محاصرة في مواجهة أمريكا.. والوضع السياسي والطوبوغرافي في  فلسطين غير موات للمقاومة. أما دولنا فلا حلول لها سوى الثورة على حكامها، وأن تبدأ بالعصيان المدني.

أتكلم هنا بشأن حقيقة مصطلحات ورثناها ونورثها كمسلمات دون بحث بأصولها وأغراضها، ودون سند علمي أو تاريخي لها. واخترت الحديث بمصطلحي العبرانيين والساميين باختصار شديد.

مصطلح العبراني، حقيقته مرتبطة بواحدة من أهم نظريات أصول اليهود القدامى، وهي جماعات  العبيرو أو الهبيرو  Hapiru -Apiru  الموثقة بالتاريخ، وكل النظريات بهذا  تقوم على قصة الخروج التوراتية من مصر  التي  وردت في العهد القديم  والتي من وجهة نظر التاريخ الموثق والمكتشف  تتطابق مع قصة خروج الهيكسوس من مصر ومعهم الفارين من جماعة اخناتون التوحيدية. سيما وأن التاريخ بثورته العلمية الاستكشافية  قطع بعدم وجود مصطلح اسرائيل أو وجود جماعة باسم إسرائيليين وخاصة  في مصر.

يؤكد أصحاب نظرية جماعات العبيرو  لأصول اليهود بأن مصطلح العبرانيين اشتق من اسم هذه الجماعات، وهي من  أصول مختلفة ومنسلخة عن قبائل مختلفة، كانت تتنقل في الصحراء بين أطراف شمال الجزيرة العربية وصحراء جنوب فلسطين وصحراء سيناء ولا يجمعها سوى نمط العيش وحياة التنقل والتجند في خدمة الجيوش وبيع أنفسهم  رقيقا، والإغارة  على أطراف المدن المتحضرة. ومن يقرأ النص التوراتي في  سياق استضافة يوسف لإخوته في مصر يدرك المنزلة الوضيعة للعبرانيين ويؤكد بأنهم ليسوا قوما واحداً .ويقول  النص على لسان يوسف وأقتبس”  قدموا طعاما, فقدموا  له وحده ولهم وحدهم وللمصريين الأكلين عنده وحدهم لأن المصريين لا  يقدروا ان يأكلوا طعاما مع العبرانيين  لانه رجس عند المصريين ” وبالطبع لم يكونوا يعرفو ا من هو يوسف سوى أنه عبراني.

شجعت الظروف هذه الجماعات للتجمع والتحرك للاستقرار في فلسطين مستفيدة من ضعف السيطرة المصرية عليها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر ق م حسب وثائق تل العمرانة، حيث دخلت وبدأت  تستقر، ثم دخلت  في صراع مع السكان الأصليين  ومع الحكام الإداريين للامبراطوريات التي كانت تحكم فلسطين، وكانوا يعاقبونها بالسبي كفئة غريبه عن فلسطين. وفي سبي بابل عاشوا حياة متحضرة وظهر منهم قادة قرأوا  ثقافة الحضارات وبدأوا بكتابة العهد القديم بسرقه كل ما في حضارات  بلاد الرافدين ومصر وكنعان من أفكار، وانطلقوا من قصة خروج الهيكسوس من مصر وإسقاطها  على انفسهم مغيرين هويتهم وتاريخهم ونسبهم وعقيدتهم  بأخرى تمنحهم وطناً..

وتؤكد اللقى والوثائق  والكتابات القديمة في مصر وبلاد الرافدين وفلسطين وسوريا وشهادات الكثيرين من المؤرخين والباحثين وعلماء اللغات القديمه ان كلمه عبري او عبراني قد اشتقت او حرفت من مصطلح  Hapiru -Apiru  وتم  السطو عليه لاحقاً أو أن الإسم تم الصاقه بهم. وبهذا فإن درايفر G.A.Driver استاذ اللغه العبرية في اوكسفورد قد اكد ان الحاخامات  هم الذين صاغوا مصطلح العبرانيين في وقت متأخر للدلاله على اليهود. كما أن كلمه عبري لم تكن مستخدمة  في روسيا للدلاله على اليهود الا بعد القرن الخامس عشر للميلاد. كما يؤكد  عالم اللغات القديمه في جامعه ميتشغن جورج مندنهال George E Mendenhall  ان كلمه Hebrew   لم تكن يوما تشير الى شعب معين أو الشعب اليهودي بل أنها مشتقة من كلمه Hapiru وApiru  التي كانت تشير إلى مجموعات صحراوية من قبائل وأعراق مختلفة  تغير على طراف المدن والوحدات المنظمه.

أما مصطح السامية فلا يختلف عالمان او باحثان على عدم وجود دليل علمي أو أثاري أو تاريخي بوجود أشخاص بأسماء  سام وحام ويافث. وإنما كتبة التوراة او العهد القديم سرقوا هذه الأسطورة من قصة  الطوفان في ملحمة جلجامش البابلية حرفياً وقاموا بتغيير اسم (أوتنابشتم) فيها الى نوح وأولاده. وملحمة جلجامش موجودة بترجمتها للعربية من وزارة الثقافة العراقية.

مصطلح السامية SEMITISM أو Semite  هذا لم يذكر  في أي مصدر تاريخي قديم او حديث ولا حتى أسطوري لغاية شهر آب من عام 1781م  حيث أطلق  لأول مرة من مصطلح Semitic الذي ورد في مقالة كتبها رجل الدين الألماني (نمساوي) شلوزر LUDWING SCHLOZER   كمساهمة منة في بحث مشترك بعنوان التوراة والأدب الشرقي .حيث ورد من خلال النص التالي في المقال :

FROM THE MEDITERRANEAN SEA TO THE EUPHRATES AND FROM MESOPOTAMIA DOWN TO ARABIA, AS IS KNOWN ,ONLY ONE LANGAUGE REIGNED. THE SYRIANS,BABYLONIANS, HEBREW S, AND ARABS WERE ONE PEOPLE EVEN THE PHOENICIANS WHO WERE HAMITES SPOKE THIS LANGUAGE WHICH MIGHT CALL THE SEMITIC .. فكلمة SEMITIC جاءت في النص كصفة للغات وكإسم أيضا. ثم شاع وانتشر كاسم لعرق دون أي سند علمي وانتشر  بسرعه في الغرب بين العلماء والباحثين والكتاب وأخذ به المؤرخون  والكتاب  في كل مكان على سبيل التقليد دون تمحيص حتى تلقفه متهودوا  الخزر وكرسوه  كعرق ينتمي إليه اليهود القدامى بعد أن كان هذا المصطلح  مقتصرا على التوراة. وكان تثبيته من قبل مصادر غير توراتية قد شكل اختراقاً للعقل والنهج العلمي ووسيلة لدعم  خرافة انتماء متهودي الخزر لجماعات إليهود القدامى ولشعوب المنطقة والتغطية على أصولهم الخزرية (الارية/الآسيوية).

وكذلك لتسويق افكار الصهيونية في غمرة النظرة الدنيوية لليهود في أوروبا واستبدال مصطلح JEW بمصطلح اخر جديد هو الساميين عندما أصبح مصطلح يهودي JEW مكروهاً وموصوماً بالدونية وقاموا بتكريس مصطلح  ANTI SEMITISM  يتهمون به كل من  يختلف بالراي معهم أو يرفض مساعدتهم في تنفيذ مخططاتهم. وكرسوا  مصطلح JUDEO CHRISTIAN كاغرب خلطه بين شيئين متناقضين.

نقلا عن رأي اليوم

اثنين, 07/04/2025 - 20:01