Jeune Afrique: ولد عبد العزيز يبحث عن "مدفيديفه"

إذا كان من شبه المؤكد أن الرئيس محمد ولد عبد الله لن يترشح للرئاسة مجدد؛ فإن من المؤكد أنه سيختار بعناية من سيخلفه في الرئاسة على غرار ما فعل فلاديمير بوتين.

في الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر توافد المهنئون إلى مقر قائد الأركان لتهنئة القائد الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد بعد تعيينه وزيرا للدفاع. الفريق المتنفذ والذي يصنف على أنه الرجل الثاني في الدولة كان يستقبل زواره حسب التقاليد الموريتانية ولكن بين جدران بيضاء فائقة التأمين منذ العام 2009. ولم يقرر ترك مكتبه في قيادة الأركان إلا بعد أسبوع بعد تعيين خليفته. تعيينه عضوا في الحكومة-أول منصب سياسي له- كمجرد وزير فاجأ المراقبين بل حتى من هم في السلطة وجاء على حين غرة. فهل الشائعات حول اختياره لكي يكون خليفة للرئيس في عام 2019 أزعجت ولد عبد العزيز؟ هذا الأخير وحده من يملك مفتاح اللغز.

الأمر أبعد ما يكون عن  النكتة. فقد أعلن ولد عبد العزيز أنه لن يترشح للرئاسة سنة 2019 (دون أن يستبعد ترشحه سنة 2024) كما أكد أنه سيدعم أحد المرشحين للرئاسة وهو بذلك يبعث رسائل عدة. أولها إلى الموريتانيين المتشككين حتى الآن، ويريد أن يذكرهم بأنه الرئيس الوحيد والمتحكم في كل شيء. "الأمر واضح؛ لا يوجد إلا رئيس واحد"، يقول أحد أصدقائه. والرسالة الثانية لمساعديه ليقول لهم إن أي سيناريو لم يكتب بعد وأن أي مسؤول مهما كان مقربا ليس بمأمن من أن يتم استبعاده. هو وحده يعرف ما بصدره ولا يفتح قلبه لأحد، كما يقول أحد العارفين به.

على الرغم من وعوده المتكررة يبقى السؤال: هل سيحافظ الرجل على كلمته؟ بالنسبة للكثيرين، من الصعب تصديقه طالما أن الرجل قد استمر على غموض نواياه سواء في الخطب الغامضة التي قُدمت خلال الحملات التشريعية والمحلية هذا الصيف والتي قام هو بنفسه بقيادتها نيابة عن الاتحاد من أجل الجمهورية أو في عام 2017 عندما لم يتردد في إجراء استفتاء دستوري لإلغاء مجلس الشيوخ وتغيير العلم والنشيد الوطني رغم أن المعارضة كانت ضد هذا المشروع. لكن الوضع اليوم تغير وقد تأكد أنه لن يذهب بنفسه إلى الانتخابات الرئاسية، كما يقول أحد المقربين من الرئيس.

لكن المؤكد أيضا أن الرئيس لن يذهب بعيدا عن موقع السلطة التنفيذية الجديدة التي سيضعها بنفسه. "أنا موريتاني وسأظل فيها ما حييت، وسأظل مهتما بما يجرى فيها" كما قال ولد عبد العزيز لـJeune Arfique. قد يقود الاتحاد من أجل الجمهورية ويفرض نفسه كرئيس للأغلبية وقد يعود للسلطة وزيرا أول حتى يظل في اللعبة. إلا أن مقربا منه يستعبد الخيار الثاني. بمجرد ظهور نتائج انتخابات سبتمبر عمل ولد عبد العزيز على تأمين أعمدة النظام الذي أقامه.

بعد أن حصل الاتحاد من أجل الجمهورية على 89 مقعدا من النواب ورئاسة مجالس 13 ولاية وهو ما يعني ضمان أغلبية مريحة للغاية في الجمعية الوطنية. استهدف ولد عبد العزيز أكبر القوى المعارضة وهي الحزب الإسلامي "تواصل" فأغلق مركز تكوين العلماء الذي يرأسه الشيخ محمد الحسن الددو وهو العالم الذي يتجاوز نفوذه حدود موريتانيا ويعتبر المرشد الروحي للتنظيم. كما قام ولد عبد العزيز بوضع رجاله في المناصب المهمة فأوكل رئاسة البرلمان لصديقه الشيخ ولد بايه ومنصب النائب الأول "للمعارض" بيجل ولد هميد الذي حل حزبه الوئام واندمج في الحزب الحاكم.

في 31 أكتوبر كشف عن التعديل الوزاري المنتظر منذ عدة أسابيع وأدخل ولد عبد العزيز رجال ثقته إلى الحكومة؛ فعيّن سيد محمد ولد محم ناطقا باسم الحكومة واستحدث حقيبة جديدة للوزير الأول السابق يحيي ولد حدمين كوزير دولة وهو الامتياز الذي لم يحظ به سلفه مولاي ولد محمد لغظف. واستمر ولد عبد العزيز في وضع يده على الجيش من خلال تعيين اثنين من رجاله عليه ويتعلق الأمر بالفريق محمد الشيخ ولد محمد الأمين الذي خلف ولد الغزواني واللواء اسلكو ولد الولي الذي غدا مساعدا له.

هذه هي إحدى خصائص "طريقة عزيز" الذي عاش في ظل الرئيس السابق معاوية ولد الطايع كقائد لكتيبة للأمن الرئاسي وهو وافد جديد على المشهد السياسي عندما انقلب في أغسطس 2008 على سيدي ولد الشيخ عبد الله. ضابط كتوم تحدى المجتمع الدولي وجزء من الطبقة السياسية قبل أن يتمكن من الحصول على الشرعية. هاجم سلفه ونظم المهرجانات في وقت كان يمنع فيه خصومه من تنظيمها. انتخب عام 2009 وعام 2014 وهو لا يتوقف عن تلميع نظامه والتباهي بحصيلته الأمنية. "إنه في حملة دائمة"، يقول أحدهم. فهل يمكن أن يكون هناك تناوب سنة 2019 وولد عبد العزيز يمسك بمفاصل الدولة والجيش؟ أم سيظل ممسكا بكل شيء ويختار خليفته بنفسه؟

هناك عدد قليل من الأسماء التي يتم تداولها باستمرار: كوزير الدفاع محمد ولد الغزواني ونظيره للاقتصاد  المختار ولد اجاي ورئيس الجمعية الوطنية الشيخ ولد باي ورئيس الوزراء السابق يحيي ولد حدمين لكنهم جميعا يحرصون على عدم الإفصاح عن طموحهم.

أما المعارضة المنقسمة على الرغم من تصميها فقد قرّرت عدم مقاطعة الاقتراع كما حدث سنة 2014. ما يجمع بينها فقط هو أنها ضد ولد عبد العزيز. "شكلت المعارضة لجنة لدراسة أفضل استراتيجية لسنة 2019" كما يقول محمد ولد مولود زعيم حزب اتحاد قوى التقدم ورئيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة. "المرشح الموحد هو الخيار الأفضل، لكن لم تطرح أسماء حتى الآن، أما البرنامج الموحد فهو طرح خيالي لا يمكن تحقيقه"، يقول أحد قادة المنتدى.

والمعارضة لم تعد موجودة فقد تآكلت، كما يقول مسعود ولد بلخير الذي انفصل عن رفاقه وهو منفتح على الحوار مع السلطة. قدّم خارطة طريق تحمل عددا من المقترحات بهدف تعزيز التناوب. ويقول ولد بلخير "في أعين الجميع أنا حليف للسلطة وهذه الأخيرة لم تحبني أبدا وهي تريد تحطيمي أنا وأحمد ولد داداه من خلال المادة التي تحرمنا من الترشح في الدستور". وهي المادة التي تحرم من تجاوز 75 سنة من الترشح، وهي سن المعارضيْن التاريخيْين بالضبط.

يصعب أن يتم تغيير هذا النص بسبب قرب المواعيد الانتخابية. ويؤكد ولد مولود أن ولد داداه لا يريد قواعد اللعبة مطلع سنة 2019. لكن الكلمة النهائية في هذا أيضا تعود إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

Jeune Afrique N° 3020 25 Novembre 2018

خميس, 29/11/2018 - 09:41