لمصلحة من يدمر إعلام البلد؛ ويتلتل جنوده، وتشوه مؤسساته؟

الأوطان اليوم التي  لا تملك  إعلام مؤسسات خدمة عمومية؛ وفضائيات  متحررة؛واعلاميين  أقوياء لهم معارف ومبادرات، وتحميهم أنظمة وتسندهم  حكومات ،  هي أوطان تستهلك  إعلام  غيرها؛ وتتقبل غزوه؛ وهي مهددة فى استقرارها وتابعة في  سيادتها لمن  "تشيطنه" الجزيرة ، أو( يتوكأ) على الغزاة، و  من يراهن و يتغنى  ب"فكر" الغلاة..

لقد كان  على رأس  أيقونات نظام محمد ولد عبد العزيز،تحريره  لوسائل الإعلام؛ واستمر البلد  في عهده في تجسيد ذلك، أفقيا وقاعديا، حيث صدر القانون45/2010 وباشرت السلطة العليا الجديدة مهامها؛وأدت واجباتها في جميع الاستحقاقات ومراحل التجاذب بحرفية  ومهنية  زكتها الأطراف المتنافسة.
وتم  تقدير كافة الفرقاء السياسيين  والحقوقيين ،للجهد الكبير، الذى بذله الصحفيون المهنيون، ومن يسندهم من طواقم فتية مهنية، في ربيع ساخن؛ في كل من شبكة الإذاعة  وقناة الموريتانية، ووكالة الأنباء العمومية، وكذلك زملاءهم  في  المطبعة الوطنية.
وكان  مميزا أن تنجح  مؤسسات
إعلام عمومي  اجتاحته ثورة تحرير الفضاء السمعي البصري فجأة ؛ اعلام لا يزال  مكبلا  في مبادراته ؛وغير مفهوم من قبل شركائه  ومرتهنا  لوصايته.
 وصاية  رفضت مرارا  توقيع  البرنامج  التعاقدي ،  ومنعت مرارا  توقيع  دفتر الالتزامات مع شركات الأسهم الثلاثة، مما جعل كل تقارير التفتيش مخالفة للصالحيات التى  منحتها  وثائق انشاء تللك المؤسسات.
ورغم تلك العوائق  ، والتدخل  السافر للحكومة ضد إرادة المشرع ؛ تم  رفع التحدي حيث  أنجزت  التغطية..وأنتجت  الورش..وبنيت القنوات المتخصصة، وخاض  اعلام الخدمة العمومية الوليد، حرب  الوقوف في منتصف  العاصفة، ضد مفهوم  إعلام الحكومة  والحزب الواحد ؛ اعلام التطبيل و التصفيق  .
ولئن  كانت  السلطة قد استثمرت في تلك الورش،  فقد رد لها اعلام الخدمة العمومية   الجميل، بتضحيات صحفيين قضوا  نحبهم في ساحات الشرف،ودفعوا الثمن  قرحا  بعد قرح في ميدان النزال.

ولمس الموالون  والمعارضون  تحسنا  جديا في  مسار الحريات، و  مزايا التعددية، مما  مكن  من تنويع الإنتاج السمعي البصري ؛وتشجيع مكين   للمنافسة بين  القنوات  والاذاعات العمومية والخصوصية .
وظهر  بشكل  مجمع عليه   ألق قناة المحظرة،  وتم  ضمان ولوج الأحزاب ومكونات  المجتمع الحقوقي والمدني إلى  كل مكونات هذا المشهد ،وأصبح صوت المواطن  البسيط مسموعا  دون رتوش ودون حصص   مدبلجة

وفي القنوات  والاذاعات الخصوصية   الوليدة، التي  ولدت  في مناخ  تعددي، وعالم يكتسحه تحرير الفضاء السمعي البصري ،تمكنت  الورود  الجديدة 
من أن تسمع  أصوات كثيرين  ممن  لم يتح  لهم الوصول إلى الإعلام العمومي.
وعلى نفس الوتيرة تمكن إعلام التواصل الاجتماعي؛من الازدهار وأخذ مكانته في توجيه الرأي العام الوطني ، وأصبح  رافدا قويا للصحف المستقلة والروابط المهنية للممارسين والهواة.

تلك  الصورة الجميلة؛التي جعلت من موريتانيا الجديدة ، أول بلد  عربي  في مؤشر  الحريات الصحفية تغيرت لوحة مفاتيحها جملة وتفصيلا؛ وكانت النتائج عاصفة وناسفة:
1/ الإعلام العمومي  شوهت مؤسسات انتاجه؛وأصبحت رمزا للفساد  بجرة قلم،المطبعة موصدة، والإذاعة تنكمش  ، والتلفزة تتلتل؛ووكالة  الأنباء  تحرم من صحفها ، قاعدة نشأتها ومبرر  وجودها .

2/القنوات والاذاعات الحرة  حوصرت وسيست؛وأصبح  مؤسسوها بين باحث  عن  ركن شديد يأوي إليه؛ أو مركب نجاة ممولا كان أو حزبا يأرز  إليه. 
3/أصبحت المواقع والصحف  تعتاش على صندوق تركة ؛ عدد  ورثته بلا حصر؛وأحكامه تتغير بتغير اجتماعاته.

4/ وفي  هذا العصف الذهني أصبح  الصحفي يحاكم  على  إنتاجه المتميز؛  وولاءه لقلمه ويحاسب  على رفضه لأن يكون عضوا في ناد من أندية زمار (مح أو يح )...((يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده  أم الكتاب))..
ليس ليا بالألسنة، وليس  خوفا من الأسنة؛وقفنا  فى  ربع هذه المؤامرة، نرفض الارجاف، والاملاق،وكنا موقنين  أن من يزرع   استغلال النفوذ لن يحصد غير الشوك .
 مهيض أن يجرجر الصحفي بتهم هو منها براء(براءة الذئب من دم يوسف) فهو (البتة) ليس مسؤولا عن التسيير.
ترونه  سنوات يذاد عن الحوض فلا يشرب؛وترونه  مرارا  يقطع رزقه لأنه غرد   أو زفر.

مربك أن يكون  ما يسمع من تركة  العمل  الإعلامي  وتجربته؛ هوقناة مغلقة، أواذاعة معلقة،أو مطبعة موصدة،أو موقع  مؤجر، أوصحف منشرة، أو مدير بسدد  ما غل بالتقسيط ؛أو أربعة على  المشنقة  عزلا   و بالشفعاء  يستجدي  المتهم ويتوسل.
 
واليوم وقد طفح الكيل..  والبلد  على مرمى حجر من استحقاقات  نادرة وحاقة؛  يجب أن يصحح هذا  الانحدار  إلى التدابر  التراشق  بالخيانة وتهم الفساد 

واذا كان  الرئيس الأحمد العزيز   قد  وفى وأسس 
  فإن  مسؤولية الوزير الأول  الجديد ووزير المالية والاقتصاد 
أن يعيدا  إلى المرفق العمومي والإعلام  الخصوصي  وأعوانه  شيئا  من الوقار
ومن الوقار  أن  ندرك أن الصحافة مهنة متاعب لامهنة جرائم.
 وأن العرب لا تقطع ألسنة شعراءها؛ولا تهين جنودها وأبناءها و ماجداتها. 
تلك حكمة الحكيم مع حاطب بن بلتعة من أهل  بدر 
(وما يدريك يا عمر بن الخطاب أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم  اعملوا ما شئتم فقد  غفرت لكم)
لكن هل يعلم من يقطع الشجرة دلالة وأسبقية  تلك الحكمة؟
بقلم/محمد الشيخ ولد سيد محمد أستاذ وكاتب صحفي.

أربعاء, 26/12/2018 - 23:56