عن جنحة الافتراء

Avocat Mohamd Elmamy Moulayeely

جريمة الافتراء، أو جريمة البلاغ الكاذب نصت عليها المادة 348 من القانون الجنائي ، بقولها:(يعاقب بالحبس.... كل من افترى بأية طريقة كانت على فرد أو أكثر لدى الضباط القضائيين أو ضباط الشرطة القضائية أو الإدارية أو لدى سلطة أخرى مخول لها حق المتابعة أو التقديم إلى السلطة المختصة أو إلى رؤساء المفترى عليه طبقا للتدرج الوظيفي أو من يستخدمونه، ويجوز للمحكمة، علاوة على ذلك، أن تأمر بنشر الحكم كاملا أو ملخصا منه في جريدة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه، وإذا كانت الواقعة المبلغ عنها معاقبا عليها بعقوبة جزائية أو تأديبية فيجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة سواء بعد صدور أمر أو قرار بأنه لا محل للمتابعة أم بعد حفظ الإبلاغ المفترى من القاضي أو الموظف أو السلطة العليا أو المستخدم المختص باتخاذ التدابير الذي كان يحتمل أن تتخذ بشأن هذا الافتراء، وعلى جهة القضاء المختصة بمقتضى هذه المادة أن تؤجل الفصل في الدعوى إذا كانت المتابعات المتعلقة بالواقعة موضوع الافتراء مازالت منظورة.)
إذن قيام جنحة الافتراء يستلزم ثلاثة شروط:
الشرط الأول: وجود بلاغ موجه إلى من لهم حق المتابعة الجزائية أو التأديبية:
وهذا ما عبرت عنه المادة بقولها: (كل من افترى بأية طريقة كانت على فرد أو أكثر لدى الضباط القضائيين أو ضباط الشرطة القضائية أو الإدارية أو لدى سلطة أخرى مخول لها حق المتابعة أو التقديم إلى السلطة المختصة أو إلى رؤساء المفترى عليه طبقا للتدرج الوظيفي أو من يستخدمونه.)
وهذا الشرط يستبطن شرطين: أولهما وقوع الإبلاغ، وثانيهما أن تكون للسلطة المبلغة صلاحية متابعة المبلغ عنه جزائيا أو تأديبيا 
أما بالنسبة للإبلاغ فثمة سابقة قضائية بشأن تكييف النشر بواسطة الصحافة على أنه بلاغ بمفهوم المادة 348 من ق ج ، غير أنه لا ينطبق على النشر على وسائل التواصل الاجتماعي لسببين: 
الأول: أن سند ما ذهب اليه القرار محل السابقة القضائية هو أن القانون يلزم الصحافة الورقية المكتوبة تحديدا بإيداع نسخ من كل عدد يصدر منها لدى وكالة الجمهورية، طبقا للمادة 15 من القانون رقم 17/2006 المتعلق بحرية الصحافة، فيكون الإيداع بمثابة ابلاغ لوكيل الجمهورية بما في النسخ المسلمة له 
الثاني: أن صفحات الفيسبوك لا تدخل في مفهوم الصحافة، لأن القانون رقم 025/2011 الصادر بتاريخ 8 مارس 2011 المعدل للقانون رقم 017/2006 نص في مادته الرابعة على أنه: (تشمل الصحافة كافة الهيئات الإعلامية التي يعمل بها أو يتعاون معها صحفيون، ويشمل مفهوم الهيئات الإعلامية كذلك الصحافة المكتوبة و الإذاعة والتلفزة و الصحافة الالكترونية و ووكالات الصحافة التي تبث بشكل منتظم ...)
الشرط الثاني من شروط قيام الافتراء: هو كون المبلغ عنه مستوجب لعقوبة جزائية أو تأديبية:
وهو الذي عبرت عنه المادة بقولها: (إذا كانت الواقعة المبلغ عنها معاقبا عليها بعقوبة جزائية أو تأديبية فيجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة)
ومفهوم المخالفة من هذا النص أنه: إذا لم تكن الواقعة المبلغ عنها معاقبة بعقوبة جزائية أو تأديبية، فلا يجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة)
الشرط الثالث: صدور قرار بحفظ هذا البلاغ أو بألا وجه للمتابعة: 
وقد عبرت المادة 348 بقولها: (...فيجوز اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية بمقتضى هذه المادة سواء بعد صدور أمر أو قرار بأنه لا محل للمتابعة، أم بعد حفظ الإبلاغ المفترى من القاضي أو الموظف أو السلطة العليا أو المستخدم المختص باتخاذ التدابير الذي كان يحتمل أن تتخذ بشأن هذا الافتراء)
ومفهوم المخالفة من هذا النص أنه لا يجوز اتخاذ إجراءات المتابعة بمقتضى هذه المادة في الحالة المعاكسة، أي عندما لا يصدر قرار بألا محل للمتابعة، أو قرار بحفظ البلاغ
مع أن الفقرة الأخيرة من المادة طرحت احتمالا آخر، وهو أن يكون موضوع الافتراء مازال منشورا أمام القضاء و ولم يصدر بعد فيه قرارا بالإدانة ولا البراءة فقالت: (وعلى جهة القضاء المختصة بمقتضى هذه المادة أن تؤجل الفصل في الدعوى إذا كانت المتابعات المتعلقة بالواقعة موضوع الافتراء مازالت منظورة.)
والسر في اشتراط هذه الشروط الثلاثة لقيام جريمة الافتراء يرتبط بمبدئين معروفين في القانون الجنائي:
الأول: أن الإبلاغ واجب يفرضه القانون، ويرتب عقوبة على عدم القيام به، ولذلك تنص المادة 56 من ق ج على أنه: (يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة كل من علم بارتكاب جريمة أو محاولتها ولم يخبر فورا السلطات الإدارية والقضائية ...)، ولم يستثن من ذلك إلا الأقارب والأصهار الى الدرجة الرابعة
ومن هنا استلزمت جنحة الافتراء شرطا آخر، وهو ضرورة توفر نية الاضرار بشخص المشكو منه 
أما البمدأ الثاني فهو تشجيع الإبلاغ بالاشتباه حماية للمجتمع: 
ومرد ذلك أن التحقيق واثبات التهمة من عدمه هو من اختصاص النيابة العامة، والتبليغ هو نوع من ابداء حسن النية ومساعدة السلطات على القيام بمهامها
وقد شجع المشرع غير المكلفين بالإثبات في كثير من المواضع على الإبلاغ، من ذلك مثلا نص المادة 98 من ق ج، التي تنص على الإعفاء من العقوبة بالنسبة للمشارك الذي يبلغ عن الجريمة قبل تنفيذها، ونص المواد 307 و 410 من ق ا ج: من قبول شهادة الشخص الذي بلغ الجهة القضائية بالوقائع موضوع المتابعة، وكذلك قبول شهادة من يمنح مكافأة مالية على الإبلاغ 
وهذا هو مبرر الإعلانات التي نشاهدها في التلفزيون الرسمي والإذاعة الرسمية وفي الملصقات على سيارات الدرك والحرس والشرطة وأمن الطرق، بضرورة الإبلاغ عن كل وقائع تثير الاشتباه أو الريبة
فبمجرد الريبة يجوز الإبلاغ، وبالتأكد ينقلب جوازه وجوبا وتترتب العقوبة على عدمه ، أما جنحة الافتراء والبلاغ الكاذب فلا تكون بغير الشروط التي ذكرنا.

جمعة, 29/03/2019 - 17:13