لم يكن خطاب مرشح الوفاق الوطني السيد غزواني بدعا من خطابات التعريف الجذابة والتأثير الفعال،شأنه في ذلك شأن خطابات المرشحين الذين تلوه في إعلان ترشحهم؛ وإن كان هو قد حاز فضل السبق والإفلاق البكر، فكان الآتي
بعده في حكم مقلده.
لقد عرف الرجل أكثر عندما تكلم؛ وقديما قيل: (تكلم حتى أراك) سقراط.
وينسب لأمير المؤمنين الفاروق -رضي الله عنه-قوله: ( أظل أهاب الرجل حتى يتكلم فإن تكلم سقط من عيني أو رفع نفسه عندي).
لا خلاف عند المهتمين والمتتبعين للشأن السياسي في بلادنا -موالاة ومعارضة- حول قوة خطاب الرجل ووضوحه وتماسكه، في دلالة قوية على شخصيته وإيضاح تام لميوله وتشبعه، فلقد كان منصفا في تقييمه دقيقا في طرحه، ناضجا في توجهه، حاضنا للكل؛ متلمسا منهم الإسهام والتشارك الفعال في بناء الوطن وخدمته، من كل زاوية وركن، وبأي جهد أو رأي ومشورة، وتوقف عند *التعليم* بحديث خاص وأسلوب يدل على سقف العناية ودرجة الاهتمام ونسبة التركيز وفهم عميق للرسالة التربوية، تلك الرسالة التي لا يمكن إيصالها دون إجلال المدرس وتحسين أوضاعه؛ وهو الذي تتعالى الأصوات الآن لإنصافه وقد سبق ذلك ما سبقه من إشارات وتنبيه -كتابة وتصريحا- ومن المؤكد أن الرئيس القادم -حيث هو- لن يتمكن من مفاتيح التنمية أو يهتدي إليها دون الولوج من باب التعليم والاستعانة بتحسين واقع المدرس كمفتاح هام ومؤثر نحو تحقيق ذلك الهدف وبلوغ تلك الغاية.
كثير من المعارضين للرجل أو من يقدمون أنفسهم كمتحدثين عنهم يحاولون إيجاد مآخذ عليه ويعوزهم ذلك، فتراهم يذهبون إلى الاختلاق والطمس والتدليس، وهم الذين عرفوا الرجل-كغيرهم- بالهدوء والسكينة وحفظ اللسان ومعالجة المشاكل الداخلية والأخطاء الفردية في صمت الحليم، وهدوء الرزين، وفاعلية القائد... يعيبون عليه استغلال وسائل متاحة لهم بإثبات الواقع وتسجيل التاريخ، وهم العارفون أن مثل تلك الخدمات (الطائرة) مثلا؛ أتيحت قبل خمس سنوات لبعض رموز المعارضة -بيجل- في أقوى أيام معارضته، ومن المعروف المكشوف أن المؤسسة العسكرية لها معداتها وملحقاتها الخدمية التي باتت تنجز وتشيد، وتتعاون وتتدخل في غيرما مجال، وشبكة المياه في انواكشوط وبعض المدن الداخلية شاهدة على ذلك.
لقد أكد الرجل بنفسه أن الزيارات الميدانية التي يقوم بها الآن لكل مقاطعات الوطن باستثناء عواصم الولايات؛ إنما هي لغرض إعلان الترشح بشكل مباشر مع المواطنين في إثبات منه للحيز الحقيقي والقيمة الكبيرة التي يعيرها لكل فرد في كل منطقة، مخالفا بذلك اعتماد التمييز بين الناخبين، الذين يرى البعض أو يتمنى حصول تفاوتهم في قيمة التصويت (ناخبين كبار وآخرين صغار) وهي الأمنية التي لم تتحقق ولن يسعى في طرحها مجازا، أما تجسيدها حقيقة فأبعد. يعيبون عليه هذه الزيارة ويريدون لها شكلا ومضمونا غير الذي أراد لها صاحبها، وهو العارف بالوطن وطبيعة المواطن، ومساواته في حقوق الإعلان وطبيعة الاتصال، وهي أولى الخطوات نحو تجسيد المساواة الحقيقية في الحقوق والواجبات والحظوظ والامتيازات؛ يوم الظفر بالنجاح، ووجوب أخذ القرار بعد تحمل الأمانة ومواجهة مسؤولية قيادة الأمة، بمقتضيات ذلك وتحدياته، وهم يواكبون ذلك باتصالات وتفاهمات واتفاقات ومواثيق مع تشكيلات ونقابات عمالية!.
يتحاملون كثيرا على هذا المرشح ويعيبون المبادرات والتظاهرات الداعمة له، ويزداد مأخذهم على تظاهرة الحمالة الذين دعموا الرجل؛ التماسا لتحقيق مطالبهم منه أكثر دون غيره لاعتبارات واضحة من أهمها: أن بعض مطالبهم تحقق في ظل النظام القائم، وإن كانت مطالب أكبر تنتظر الظرفية المناسبة والقرار الشجاع وهو ما يلتمسونه منه ويأملون تحققه تحت قيادته، في ذات السياق يظهر هؤلاء المعيبون أصحاب المآخذ أحادية الجانب مزدوجة المعايير؛ ويظهرون طيفا من الحمالة يعلن دعمه لمرشح آخر -بيرام- إذا بهذا الإظهار الذي مؤداه تكذيب دعم الحمالة المطلق وإجماعهم على مرشح الوفاق بتأكيد أن طيفا هاما منهم يدعم مرشحا آخر.. أليس في هذا إقرار بأن ما أتيح للمرشح غزواني من ظهور مبادرات وتظاهرات ولقاءات وتحالفات؛ متاح لبقية المرشحين إذ لا خصوصية في ذلك ولا إقصاء لمرشح، وكل ذلك هو لقاءات واتصالات؛ لاترقى إلى جو وطبيعة الحملة الانتخابية، في أوانها أو قبله.. أظن أننا بحاجة إلى جو انتخابي شريف يكون فيه الخطاب السياسي ناضجا، لا تلفيق، لا نفاق، لا تحامل، لا تدليس، كل ذلك حال حصوله سيساهم في بلورة المناخ المناسب لميلاد تناوب سلمي سلس على السلطة، يؤسس لما بعده من حياة سياسية ينبغي أن تكون منزوعة الأشواك، خالية من القلاقل والبلابل، ينتظر معها المواطن حصول حياة كريمة توفر العيش الكريم والاحترام المتبادل، في ظل وطن يجد كل مواطن فيه ذاته، وتكون فيه قيادة البلاد تحمل لواء الإعمار والتشييد والتصالح، والتأسيس على الموروث -أيا كان- تأسيسا إيجابيا، يستفيد مما هو موجود، يقيم المعوج، يهذب المشوه، يكمل النقص، يوفر المفقود، بعدالة ومساواة، في رعاية ناضجة، ومسؤولية متبصرة، بعيدا عن حمل لواء لعنة الآخر، وشيطنة السلف، وإخفاء ما تم إنجازه -مهما كان تقييمنا له- نحن بحاجة إلى وطن متصالح مع ذاته يؤمن بإيجابية كل أبنائه، وطريقنا إلى ذلك الآن الآن وليس غدا.. هو رئيس لا يحمل شعار لعنة سابقيه، يؤمن لكل ذي جهد بدوره، ينصف مخالفيه، ويعترف بمحاسن الجميع، ويحاول قلب السيئات ضدها، ويهيئ المناج لتجاوز البلاد ويلات الفقر والمعاناة، ويكون لها بإذن الله صمام أمان في وجه الحروب والفتن التي عصفت من حولنا بشعوب وأمم، وأفسدت دولا كانت تتزين بها الحضارة عبر التاريخ، تشييدا وإعمارا وتقدما في مجالات شتى؛ قضى على ذلك -بكل أسف- خلاف سياسي لم يكن عابرا، بل كان وقودا فعالا لنار حارقة، اشتعلت واستعصى إخمادها على من أوقدوها، واستعانوا بعدو لحظة يأس فزادها اشتعالا وازدادت هي لأبناء الوطن الواحد أكلا وإحراقا..
ضاع الحلم الكاذب، وتجلت الحقيقة المرة، وخسر الجميع جهدهم، وأموالهم، ودماء الأعزاء، وأنس الرفقاء، ودفء الوطن..