رغم إصدار النائب العام المصري في فبراير/شباط الماضي قرارا بمتابعة ومراقبة وسائل الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن ذلك على ما يبدو لم يكن كافيا للسيطرة على مجال الإنترنت الذي بات مؤخرا منفذ المعارضة الوحيد بعد سيطرة الدولة على وسائل الإعلام.
فقد أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، قانونا مثيرا للجدل يحمل اسم "قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات"، وهو القانون الذي كان البرلمان قد أقرّه مطلع يونيو/حزيران الماضي، ويهدد المصريين بالسجن والغرامة، ويطلق يد السلطات المختصة في حجب المواقع الإلكترونية، ويلزم مقدمي خدمة الإنترنت بتسريب بيانات المستخدمين للحكومة.
ويتمم القانون نهج التشريعات المقيدة للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين بمصر، إلا أنه توسّع بشكل كبير في النص على ما اعتبرها جرائم في التعامل مع تقنية المعلومات وإقرار عقوبات مغلظة بحقها.
تجريم بالجملة
القانون المكون من 45 مادة، يتحدث عن 33 عملا مجرّما بعقوبات تتراوح بين السجن وغرامات مالية، كما أنه يحدد الأمن القومي بكل ما يمس استقلال واستقرار وأمن الوطن ووحدته وسلامة أراضيه، وكل ما يخص جهات الأمن القومي التي حصرها في رئاسة الجمهورية ووزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية.
ومن أبرز الحالات المجرمة، وفق القانون الجديد، أنه ينص على عقاب مزوّد الخدمة (شركات الاتصالات والإنترنت) إذا امتنع عن تسليم ما لديه من بيانات أو معلومات بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين.
وكذلك النص على معاقبة كل مزود خدمة امتنع عن تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية المختصة بحجب المواقع أو الروابط بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه، وإذا ترتب على الامتناع إضرار بالأمن القومي، تكون العقوبة السجن المشدد وغرامة لا تقل عن ثلاثة ملايين جنيه ولا تتجاوز 20 مليون جنيه.
القانون الجديد تضمن 33 عملا مجرّما بعقوبات سجن وغرامات مالية (الجزيرة نت-أرشيف)
استخدام مجرّم
ولا يتوقف الأمر عند مقدمي الخدمة، بل يتجاوزهم إلى مستخدمي الإنترنت الذين بات عليهم ألا يسعوا إلى الوصول إلى المواقع المحجوبة، حيث نص القانون على الحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه، لكل من دخل على موقع أو حساب خاص أو نظام معلوماتي حظرت السلطات الدخول عليه.
ومن العقوبات اللافتة في هذا القانون المثير، تلك المادة التي تعاقب "كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه"، حيث رآها مراقبون صيغة فضفاضة للجريمة، مما يفتح الباب أمام توجيه التهمة لأي مستخدم.
وبحسب المادة 7 من القانون، يمكن حجب المواقع الإلكترونية داخل الدولة أو خارجها، متى قامت أدلة على تهديدها للأمن القومي أو تعريضها أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر، ولم توضح المادة ماهية تهديد الأمن القومي، إذ يمكن اعتبار نشر أي مادة مخالفة لسياسات النظام الحالي تهديدًا له يستوجب الحجب.
وشهدت الولاية الأولى للسيسي حجب أكثر من 500 موقع إخباري أو لمنظمات غير حكومية، بحسب مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" التي تتخذ من القاهرة مقرا لها، كما شهدت مصر مؤخرا اعتقال العديد من مستخدمي الإنترنت والمدونين المعروفين بانتقادهم للحكومة.
مواقع محجوبة
وتصاعدت حمى حجب المواقع في مايو/أيار 2017 بحجب 21 موقعًا جميعها تقدم محتوى صحفيا وإعلاميا باستثناء موقعين اثنين، ثم تتابع الحجب حتى وصل إلى المئات الخمس.
وشملت قائمة المواقع الصحافية المحجوبة في مصر العديد من المواقع ذات الجمهور الواسع ومنها جميع المواقع التابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية، ومواقع مدى مصر والعربي الجديد والمنصة ودايلي نيوز وإيجيبت والبديل ومصر العربية وبوابة القاهرة وعربي 21.
كما حجبت السلطات المصرية مواقع تقدم محتوى يتعلق بحقوق الإنسان، بلغ عددها 12 موقعا، ومنها موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومواقع منظمات "هيومن رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود" و"المفوضية المصرية لحقوق والحريات" ومرصد "صحافيون ضد التعذيب".
وشمل الحجب أيضا مدونات شخصية كمدونة منال وعلاء وبهية ومحمد خطاب ومدونات جماعية كموقع مدونات الجزيرة ونون، وكذلك مواقع حركات سياسية، كمواقع حركات شباب 6 أبريل والاشتراكي وحملة توقيعات تيران وصنافير، وكذلك أكثر من 300 موقع "في بي أن" (VPN) وبروكسي تستخدم لكسر الحظر.
خلاف: النظام يسعى لإحكام القبضة على وسائل الإعلام (الجزيرة)
انتكاسة
نقيب الإعلاميين الإلكترونيين السابق أبو بكر خلاف ومنسق المرصد العربي لحرية الإعلام، رأى في هذا القانون "انتكاسة غير مسبوقة" في مجال حرية الرأي والتعبير، وأنه يشكل حجرا ووصاية على المواطنين، ولم يُسبَق إليه حتى في الدول المتسلطة والمستبدة.
ويلفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن المبررات التي ساقها النظام لإقرار هذا القانون "مهترئة ومردود عليها"، ويمكن معالجة مخاوفه من الإرهاب والعنف إن كانت حقيقية من خلال ما تعتمده الشركات المالكة لمواقع وسائل التواصل الاجتماعي من ضوابط ومعايير.
لا مثيل له
أما استشاري الإعلام الرقمي عمر الشال فلا يجد مثيلا لهذا القانون في العالم من حيث العقوبات واتساع رقعة من ينطبق عليهم، وينظر إليه في إطار إحياء دولة الخوف على وسائل التواصل الاجتماعي وتسطيح محتواها بعد الفشل في تحقيق ذلك عن طريق برمجيات متطورة.
الشال: القانون سيعيد المجتمع المصري خطوات إلى الوراء (الجزيرة)
ويحذر في حديثه للجزيرة نت من أن القانون بصيغته المعتمدة سيعيد المجتمع المصري خطوات إلى الوراء في مجال التعامل مع الإنترنت كما فعل النظام المصري في كافة النواحي المعيشية الأخرى، ولا عزاء لحرية الرأي أو التعبير أو حتى إيضاح الحقائق، حسب تعبيره.
كذلك يرى الخبير في الإعلام الرقمي بسام الشحادات أن هذا القانون يعزز تقييد الحريات العامة وتداول المعلومات بشكل كبير، ويتعمد مع توسيع دائرة الجرائم وعقوباتها ترك مساحة ضبابية في تحديدها تتيح استغلالها من قبل السلطات.
ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن القانون ربط الأعمال المجرمة بالتعامل مع قرابة 11 مؤسسة من مؤسسات الدولة، على رأسها رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومجلس الأمن القومي والمخابرات العامة، وهو بذلك يهدف لحماية هذه المؤسسات على حساب الحريات العامة للمواطنين، مما سينعكس على تطور القطاع المعلوماتي والرقمي بمصر.
ويذهب الشحادات إلى أن القانون يعارض حقوق المواطن المصري الدستورية التي تضمن أن تكون بياناته محمية وآمنة كما تضمن له الحق في أن يعبر عن رأيه بكل حرية.
المصدر : الجزيرة