زوم الصحراء (52).. موريتانيا وتبعات الوضع في مالي

بين موريتانيا ومالي تاريخ عريق؛ وجغرافيا ممتدة وشبكات علاقات ومصالح متشعبة؛ لذا لا يبالغ من يقول إن "أمنهما وأمرهما الاستراتيجي مترابط بشكل كبير وحيوي".

 

في زوم "الصحراء" هذا الأسبوع نرصد تداعيات تطورات الأوضاع في شمال مالي وغربها؛ وحتى وسطها على موريتانيا في عدة جوانب؛ وخصوصا في ملف اللجوء إذ تظهر الأرقام تضاعف أعداد اللاجئين؛ وتعبر موريتانيا عن مخاوفها من ذلك، وعن شكاوى من ضعف تعاطي الوكالات الأممية ذات العلاقة مع موجات اللجوء المتصاعدة.

 

وضع الساحل المقلق
تعيش منطقة الساحل وضعا يستمر منحنى التردي فيه منذ سنوات بفعل تداخل عوامل متشابكة:

✔️ يتصدرها فشل الحكامة الذي حول أغلب دوله لبلدان فاشلة وفق معايير التصنيف الدولي المعزز بالمعطيات الماثلة للعيان.

✔️ وفي العمق منها حالة التقاتل والتنازع التي تأخذ عدة صور مجتمعية وجغرافية مغذية الأبعاد السياسية والاقتصادية للإشكالات العميقة.

✔️ وبكل تأكيد فإن نشاط جماعات العنف وحروبها المفتوحة مع أنظمة الحكم والقوى الدولية والأممية وضد الجماعات المحلية والأهلية في عديد الحالات يبقى عامل التوتير الأبرز، والسبب المباشر لعمليات النزوح والهجرة المتفاقمة في منطقة حجزت لها النزاعات فيها وعليها على خريطة الأزمات الدولية.

 

مالي مركز الساحل

بمعطيات التاريخ والجغرافيا أيضا يمكن القول إن دولة مالي هي الدولة المركزية في منطقة الساحل، وهي - بكل أسف عنوان رئيس- في أزمات الساحل عميقة الجذور وتلك التي تعرف اتساعا وتشعبا في السنوات والأشهر الأخيرة.

✔️ فمالي تعرف صراعا مفتوحا بين المركز (باماكو) والأطراف وخصوصا في الشمال(أزواد).

✔️ ومالي تعرف صراعا معقدا بين الاثنيات في الوسط طرفاه الدوغون والفلان.

✔️ وباماكو عرفت خلال السنوات الأخيرة سلسلة انقلابات قادها عسكريون برتب مختلفة وبذرائع متنوعة.

✔️ ومالي مسرح مواجهة مفتوحة بين القوى الدولية حيث قام حكامها الجدد بطرد القوى الغربية؛ والاستغناء حتى عن القوات الدولية، فاتحين الأبواب على كل مصارعها أمام الوجود الروسي وخصوصا في عنوانه الأكثر إثارة (فاغنير).

 

اللاجئون..القلق المتصاعد

عبرت موريتانيا مؤخرا عن قلق علني صريح من مؤشرات تنامي موجات اللجوء فالأرقام تشير إلى أن عدد اللاجئين الماليين في موريتانيا تجاوز 123 ألف شخص 86 بالمائة منهم يقيمون في مخيم امبرة بالحوض الشرقي، مقابل 60 ألفا في 2021؛ وهو ما استدعى من الرئيس غزواني لفت الانتباه أن مساعدات الوكالات الأممية "غير كافية" ودفع الحكومة الموريتانية لتأكيد حاجتها لـ "خطة طوارئ"؛ من أجل التكفل بـ 50 ألف لاجئ وصلوا حديثا إلى البلاد، بالتزامن مع تطورات الوضع في الشمال المالي حيث استعادت الحكومة السيطرة على مدينة كيدال ثاني أهم مدن الشمال.

يعني استقبال موريتانيا أكثر من 64 ألف لاجئ خلال سنة واحدة أمورًا عديدة هي سبب القلق في نواكشوط المعبر عنه على عدة مستويات:

✔️ فعلى المستوى الإنساني هناك خشية من عجز المخيم الذي أقيم قبل عشر سنوات عن تأمين الخدمات الضرورية لهذا العدد الكبير من اللاجئين الفارين من أتون الحرب.

✔️ وعلى البعد الأمني فالشكوك قائمة من أن ينقل اللاجئون معهم "شظايا" الأزمات التي أبعدتهم من أوطانهم.

✔️ وفي البعد الاستراتيجي ربما تخشى نواكشوط من أن يصبح مخيم امبره الواقع في أقصى الشرق عامل جذب لضحايا الأزمات في الساحل الذي تعصف أزمات متشابهة ببلدان لها تداخلات ووشائج ديمغرافية مركبة مع موريتانيا.

هي عوامل اقتصادية وجيو- استراتجية وأمنية إذا جعلت ملف اللاجئين يفرض نفسه على نواكشوط عنوانا أساسيا في نهاية عام ومستهل آخر.

اثنين, 18/12/2023 - 14:17