لاحظ أبو عثمان الجاحظ (ت 244 هـ) خلال تأمله في طبقة الخصيان في البصرة أن أفرادها يضيقون بالحرية والمعاملة الكريمة، وينزعون للاستخذاء للأقوياء الأثرياء. فنبّه إلى أن الخادم الخصيَّ يحب من مالكه أن يكون قويا ذا مال وفير، وإنْ أهانه وأجاعه.
الإنسان كائن مشوقٌ بطبعه، ميالٌ لتربته وموطنه. ومِن شيمته النزوعُ إلى البقاء في الخميرة الثقافية والجغرافية التي أنتجته وأنضجته. ففيها مراتع صباه، ورائحة آبائه وأمهاته، وذكرياتُ أيامٍ قضاها الشباب هنالك.
عاش في بغداد أيامَ شيخنا الجاحظ كناسٌ بغدادي اسمه مُسَبِّح الكنّاس. كان يقضي سحابةَ يومه وسوادَ ليله بين الكُنُفِ الممتلئة، والبالوعاتِ المتجشئة، وفضلات البشر النتنة. وذكر الجاحظ أن مُسَبِّحاً هذا اشتقّ لنفسه مذهبا وفلسفة في الروائح بناه على قياس فاسد.
الإنسان ذو موقفٍ بفطرته، وكائن أخلاقي بما هو إنسان. فهو إما أن يعبّر عن رأي مناصر للخير والجمال، وإما أن يتبنى موقفاً مسانداً للقبح والظلم، وإما أن ينغلق على أنانيته فحسب.
اشتهرت تونس عبر تاريخيها بالقدرة الاستثنائية على ولادة المفكرين في الحضارة الإسلامية. فهي أرض ودودٌ ولودٌ ذات أياد بيضاء على الحضارة الإسلامية رغم مساحتها الصغيرة. غير أن الجديد في سجلها الثقافي هو ولادة الكُهَّان السُّجَّاع بعد اختفائهم منذ ظهور الإسلام.
كان من عادة صاحبكم هذا – أيام طراوة الإهاب- أنه إذا أنشد شعرا أو قرأ كلاما جميلا أن ينشد إنشادا مسموعا بغض النظر عن الظرف. وكانت السيدة الأوروبية التي تعمل معي يومها تقول: "أحمد يكلم نفسَه!". ولم أعترض على السمة فهي من مهاد حضاري يصعب أن يفهم الأمر.